هدف مبــكر

في خضم الصيف الساخن الذي تشهده القاهرة، والذي يفترض أن ينتهي بالخروج من مخاض المرحله الانتقاليه في مصر، والتي استغرقت من عمر وإقتصاد وأمن المصريين ما يقارب العام والنصف، إنهاء المرحله الإنتقاليه يتضمن بالأساس إختيار رئيس لمصر، يخلف الفراغ في رأس السلطه منذ تنحي مبارك، والذي شغله مؤقتا المجلس العسكري.

والراصد للمشهد المصري بعيدا عن التطبيل الإعلامي -بشقيه القديم والجديد-  ، يجد أن القوى الليبراليه واليساريه وشباب الثوره إن شئت، ينطبق عليهم المثل القائل: نسمع جعجعه ولا نرى طحناً، وأن القوى الفاعله على الأرض هي الحركات الإسلاميه والإخوان تحديدا، والمجلس العسكري مضافا إليه عناصر النظام السابق.

وقد قرر اللاعبان الأساسيان الإخوان والعسكر خوض المعركه الرئاسيه بطريقة كرة القدم منذ البدايه، خذ على سبيل المثال مرشحي الرئاسه، فكلا الطرفين بدأ بمرشحين قويين للتهويش، يتم إستبعادهما لاحقا من الموسم ، بما يشبه غياب نجوم الكره بالرباط الصليبي، وهما خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وعمرو سليمان نائب مبارك لأيام ورئيس المخابرات الأسبق.

ثم أوجد العسكر والأخوان إستمرارا للصراع، مرشحين للمناظرة – والمناظرات بالطبع لدارسي الإنتخابات محرقه للطرفين -، وكان طرفا المناظرة عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، الأول فلول “بس مش أوي” بالدارجه المصريه، والآخر إخوان بس ربنا تاب عليه.

 إذن فالمتنافسين الإفتراضيين، والمنافسين الحقيقين الذين يعبرون إلى مرحلة الإعادة وهم الفريق أحمد شفيق و د.محمد مرسي، كان مشابها للحرب الإعلاميه قبل المباراة، بعد نتائج المرحلة الأولى وتحديد المتأهلين لمرحلة الإعادة، وعندها فكر الطرفين بهدف مبكر لحسم المباراة، وأما الأطراف الأخرى في المشهد فضلوا مصدومين من النتيجه، وإحقاقا للحق فحمدين صباحي ثالثا بمسافة قريبه في المرحله الأولى من الإنتخابات الرئاسيه، كان الإستثناء من المشهد العام.

الهدف المبكر في نظر المجلس العسكري كان ثلاثة أمور، الأول إغلاق ملف محاكمة مبارك، والثاني قرار وزير العدل بمنح الضبطيه القضائية، لعناصر الجيش والشرطة العسكرية، وأخيرا بقرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون العزل والذي يقضي بشرعية ترشح شفيق، وإن كان إقرار قانون العزل مضرا للإخوان أيضا، عبر إعادة إنتخابات الرئاسه لنقطة الصفر، وصولا إلى الطامه الكبرى للإخوان من خلال قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب بسبب عدم دستورية إنتخاب الثلث الفردي فيه.

الإخوان بدورهم تعاملوا مع نتائج المرحله الأولى من الإنتخابات بمنتهى البراجماتيه، فهم قبلوا بها أولا، وقرروا خوضها مع قولهم بعدم قانونية شفيق، ثم نزلوا مساء الأحد أخر أيام التصويت فجرا ليعلنوا فوز مرشحهم، ومحاولة تكوين قناعة شعبية أن الإنتخابات يجب أن تخرج بإحدى نتيجتين، إما فوز مرسي أو الإنتخابات مزورة، وقد تم تكثيف بث هذه الفكرة إعلاميا حتى أصبحت قناعه عند رجل الشارع، وتصرف الإخوان بحسابات كرة القدم هو على شاكلة، إما نفوز في المباراة أو أن الحكم غش لصالح الفريق الآخر.

الفريقين إستعدا لإحتمال الوصول لوقت إضافي ، فأعلنت المحكمة تأجيل النظر في قضية حل جماعة الإخوان المسلمين حتى الرابع من سبتمبر، الإخوان أيضا  لوحوا على طريقة أنا أو الفوضى، ومالأنباء عن القبض على صواريخ أرض أرض في البحيره و توتر على الحدود مع إسرائيل إلا رسائل للمجلس العسكري، على شاكلة رسائل رامي مخلوف، فحواها أن خسارة الأخوان للرئاسة محرقة لمصر.

أخيرا، هي مباراة كرة قدم غير ممتعه، وأقسى ما فيها أن اللاعبون يتحكمون في مصائر من هم على المدرجات، دون حول لهم أو قوة، يرقبون المستقبل الغامض، أغلبهم كره الإخوان والعسكر والفلول والثورة، ولا يريد إلا عيشا أمنا، ويخشى أن ينتهي به الحال في المدرج كما أنتهى بمدرج بورسعيد في ذاك اليوم الأسود، لا قدر الله.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *