تخطو واشنطن في فيينا نحو اتفاق نووي على شاكلة معاهدة ميونخ، وهي الاتفاقية التي تمت في ميونخ في 30 سبتمبر 1938 بين ألمانيا النازية من جهة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا من جهة أخرى، وكانت بمثابة تسوية تسمح بضم ألمانيا النازية لمنطقة السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا التي يعيش فيها مواطنون ناطقون بالألمانية في محاولة لاحتواء ألمانيا النازية وتجنب اندلاع حرب عالمية أخرى.
وبالطبع لم يؤد استرضاء ألمانيا النازية إلا لمزيد من الجشع من لدن هتلر، ورغبته في التوسع وقضم مزيد من الجغرافيا الأوروبية، ولم تمنع هذه المعاهدة في حدها الأدنى من اندلاع حرب عالمية، راح ضحيتها نحو خمسين مليون شخص.
تأتي أولى الخطايا الأمريكية بتجاهل الميزة المرجحة لهم في المفاوضات، وهي الضغوط القصوى من العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب، وبالتالي تجاهل حقيقة أن إيران في حالة ضعف وهي من يجب أن يقدم تنازلات.
لكن إيران نجحت في ذر الرماد على العيون وخلق قوة غير مباشرة، عبر التصعيد من قبل الحوثي في مأرب ضد المملكة، وتجاهل جائزة إزالة اسمهم من قوائم الإرهاب، وتعطيل الحكومة اللبنانية، وأن يكون صراع الحريري-عون هو المانع الظاهر للناس، بينما المعطل الحقيقي هو من يملك الضغط على الجميع وتمرير حكومة متى شاء.
كذلك صعدت إيران في العراق باستهداف القواعد الأمريكية ومطار أربيل، وجاءتها هدية الشيخ جراح في القدس، لتمثل غزة ذراعا أخرى تصعد فيها وتخفي ضعف الداخل الإيراني اقتصاديا ومعنويا، وشاهدنا كيف تبارى قيادات حماس شكرا لإيران مما بدا رسائل للغرب.
فأوحت تلك الأمور مجتمعة بقوة إيرانية في التفاوض، تجعلها تنجح في أن يكون التفاوض للعودة لاتفاقية 2015، دون مناقشة التدخلات الإقليمية والصواريخ البالستية، على قاعدة أن إيران مضرة للاستقرار في أكثر من منطقة، وبالتالي احتواؤها أفضل من استمرار الصراع والعقوبات.
أما الخطأ الأكبر في كل هذه المفاوضات فهو الاعتقاد أن إيران بعد أن تُزال عنها العقوبات سوف تجلس وتتفاوض على باقي الملفات، ولهذا أعدت إيران العدة ليكون الرئيس القادم من المحافظين وبالتالي يتعنت عن التفاوض مع الغرب.
وهذه لعبة مزدوجة حيث أوحت إيران إلى ضرورة حسم الاتفاق قبل انتهاء فترة الرئيس روحاني، لدرجة يوحي لك الخطاب الإيراني بأن الاتفاق هدية من إيران للغرب، رغم ما وصله الاقتصاد الإيراني من تراجع في قيمة العملة وضغوط كبيرة أدت لخروج مظاهرات شعبية في مناطق متعددة.
يريد الغرب أن يصدق وهم احتواء إيران، تماما كما صدق أن إيران ديموقراطية. إيران التي أجبرها المرشد على حكم أحمدي نجاد رغم تزوير الانتخابات وخروج الثورة الخضراء، التي لم تدعمها إدارة أوباما كما فعلت مع الربيع العربي.
من سخرية القدر أن مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي أجاز نجاد ليصبح رئيسا حينها، لم يجزه هذه المرة ليصبح مرشحا رئاسيا، لأن ديموقراطية خامنئي لا تسمح بمنافسين قبل خوض السباق الانتخابي، وهو يريد هذه المرة فرش السجاد الأحمر لوصول إبراهيم رئيسي، وقد وصفته الصحافة الإصلاحية الإيرانية بـ«المرشح الذي لا يملك أي منازع».
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2070300
الاحد 30 مايو 2021م
اترك تعليقاً