في تصريح لوكالة الأنباء الإيرانية «تسنيم» التابعة للحرس الثوري، قال إسماعيل قاآني: «خلال أقل من عشرة أيام تم تنفيذ 18 عملية دقيقة ضد السعودية»، مؤكداً أن إيران تقف خلف تسليح الميليشيات الحوثية في اليمن.
إسماعيل الذي شغل منصب قاسم سليماني ولم يملأ كرسيه، يبدو أنه يعاني من ضعف في إقناع المرشد والقيادات في الداخل بقدراته، وهو الأمر الذي يمتد إلى قيادات الميليشيات خاصة في العراق، والذين نشبت بينهم خلافات اقتصادية مؤخراً، الأمر الذي أصبح أشد عنفاً تبعاً لصغر حجم الكعكة جراء العقوبات التي أثرت على إيران والأذرع بالنتيجة.
تصريح قاآني لم يكشف سراً؛ فالجميع يعرف أن الحوثيين مكون صغير يمنياً، لا يتجاوز 4% من عدد اليمنيين، ولولا الدعم الإيراني والتدريب العسكري والإعلامي من عناصر الحرس الثوري وفرعه اللبناني حزب الله، لما كان له أن يحارب نظام علي عبدالله صالح لسنوات، ولولا القراءة السياسية الخاطئة لعلي عبدالله صالح، لما تمكن الحوثيون من دخول صنعاء.
وعليه فيبدو أن هذه التصريحات كانت موجهة للداخل بشكل رئيسي، أما خارجياً فيشير مدلولها إلى أن الإيرانيين يعرضون اليمن كورقة تفاوض، على أمل أن يسهل ذلك من تخفيف العقوبات، أو العودة للاتفاق السابق المهلهل.
عرض اليمن كورقة تفاوض، هو أمر سبق أن طرحه روحاني خلال زيارة لأوروبا في 2018، قبيل انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق السابق، في مقابل تعهد الأوروبيين ببقاء المصالح الاقتصادية لإيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق.
السياسة هي فن الممكن، وبالتالي هي معركة خيارات، وكلما كانت خياراتك أوسع كلما كانت سياستك أقوى، فإيران تقدم هذا الخيار بأنه الأسهل لها للتنازل حوله، بعد أن تقوم بتسخين المعركة في الداخل، وتكثيف استهداف المملكة، مما يضغط على الغرب لحل ملف يصنف ككارثة إنسانية بسبب نسب الفقر وتأثيرات كورونا.
إيران من جهة أخرى صعدت في الملف اليمني والعراقي، لأنها تدرك أن لديها نافذة من الوقت قبل أن تشكل إدارة بايدن استراتيجيتها نحو إيران، فاليوم لدينا إدارة تأتي بقناعات سابقة، تشكلت جلها من فترة إدارة أوباما، ومن رفض كل ما أتت به إدارة ترمب.
هذه القناعات قد تتغير ضمن الإستراتيجية الجديدة، بحسب ما ينتج عن أعمال إيران من تصعيد وتخصيب، كما أن إيران ليس لديها شيء تخسره، فإدارة ترمب لم تغادر المكتب البيضاوي إلا وقد وضعتهم على حافة الهاوية، واليوم هي أوراق ضغط في يد إدارة بايدن، والتخلي عنه يفقدها الحظوة في التفاوض.
ولنعود لخيارات إيران الباقية، سوريا بالتأكيد لم تعد ورقة إيرانية، فمن يريد الحل في سوريا لابد أن يجلس مع روسيا، أما نظام الأسد فيبدو مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى، بأن بقاءه مرتبط بمباركة إسرائيل، وهذا ما عبرت عنه مغازلات عدة من أزلام الأسد، ولا يتفق كافة الفرقاء في سوريا على أمر عدا إخراج الميليشيات الإيرانية.
وعلى المستوى النووي، يدرك الإيرانيون أن النووي ورقة تفاوض مزعجة، فإن التزمت بنسب التخصيب المنصوص عليه بالاتفاق فلن يلتفت إليك أحد، وإن استمررت في رفع نسب التخصيب فأنت تستجدي ضربة عسكرية تعطل المشروع لسنوات.
وبالتالي فإستراتيجياً على المملكة ودول التحالف أن تحسم المعركة عسكرياً في اليمن، وكما ذكرت في مقالات سابقة، يجب أن يتم ذلك بالبناء على اتفاق الرياض، ودفع المعركة في اليمن بالثقل السياسي للمملكة، لتوحيد الصفوف وردع الحوثيين على جبهة مأرب وتحرير الحديدة، وقطع طرق الإمدادات بين صعدة وصنعاء.
هذا الأمر سينضج حلاً سياسياً في اليمن، وسيحقق وصولاً أفضل للمساعدات الإنسانية التي تقدمها المملكة وعدة منظمات، بشكل يحميها من سرقة الحوثيين، ويسهم بطبيعة الحال في أمن المملكة، والأهم أنه سينتزع ورقة اليمن من يد المفاوض الإيراني.
إنها معركة نافذة الوقت بين المملكة وإيران، معركة خيارات وتموضع مختلف من كل طرف في الإقليم، إنها معركة المستقبل وإن كانت أحداثها تتم في الحاضر.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2061448
الاثنين 15 مارس 2021
اترك تعليقاً