من الرائج في الغرب وجود بضائع مختومة بأنها “حلال”، لوجود أعداد كبيرة من المسلمين في هذه البلدان، لكن إيران نجحت في وقت سابق بتسويق بضاعة “حرام”، ألا وهي فتوى خامنئي بتحريم السلاح النووي.

هذه الفتوى صدرت في العام 2003، وبالتأكيد أن هذا العام الذي شهد سقوط نظام صدام حسين، بدعوى أسلحة الدمار الشامل، كان عام التبس المرشد فيه الكثير من الخشوع والتواضع، مما دفعه للخروج بهذه الفتوى ليؤكد على قيم الثورة التي تختلف عن قيم البعث.

وبالتالي ذكر في نص الفتوى: “نعتقد إضافةً إلی السلاح النووي، سائر صنوف أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيمياوية والميكروبية تمثل خطراً حقيقياً علی البشرية. والشعب الإيراني باعتباره ضحية لاستخدام السلاح الكيمياوي يشعر أكثر من غيره من الشعوب بخطر إنتاج وتخزين هذه الأنواع من الأسلحة”.

وإضافة إلى الهجمة السيبرانية التي قامت بها الولايات المتحدة قبيل الفتوى بأشهر، والتي نتج عنها تدمير حوالي ألف جهاز طرد مركزي، فالفتوى تأتي ضمن التكتيكات التي استخدمت آنذاك لتجنيب إيران وسوريا الأسد من أن يكونا التاليين في مسيرة الرئيس بوش الابن لإسقاط الأنظمة الشمولية وإحلال الديموقراطية.

وخلال الشهر الجاري عبر لقاء مع القناة الثانية الرسمية في إيران، صرح وزير الاستخبارات الإيرانية محمود علوي، عن قدرة بلاده على تصنيع سلاح نووي، وحاشا لله أن يكون بذلك معبراً عن نية طهران فعل الحرام، ولكنه يعبر عن قدرة إيران على فعل الحرام لا رغبة الوقوع فيه.

من جهته عبر رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية علي أكبر صالحي سابقاً، عن أن بلاده بلغت عتبات متقدمة في مجالات نووية متعددة، منها: تصميم وإنشاء المفاعل النووي، واستخراج اليورانيوم وتحويله مواد أخرى، وهذا أيضا يعتبر تفصيلا تقنياً لأركان الحرام.

وإذا ما تساءلنا هل اشترى أحد في الغرب بضاعة الكذب الإيراني المسماة سابقا فتوى المرشد؟ والإجابة كما أوردت صحيفة النهار، أن إدارة أوباما بالفعل اقتنعت بهذه البضاعة، حيث عبر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، في مقابلة مع قناة “صوت أميركا” الناطقة بالفارسية، عقب توقيع الاتفاق، أو ما يصطلح عليه بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCOPA)، أنه ورئيسه باراك أوباما، يثقان جداً بجدية فتوى المرشد الإيراني، علي خامنئي وصدقيتها.

وحينها عاد المرشد علي خامنئي للتأكيد على تمسك إيران بهذه الفتوى، مؤكداً أن السلاح النووي يتعارض مع القيم الإسلامية، وذلك بعد أربعة أيام من توقيع الاتفاق، ولا أعرف حقيقة ما هي تلك القيم التي سمحت بقتل المعارضين لإيران في اليمن والعراق ولبنان، وكيف أن البراميل المتفجرة لبشار الأسد انسجمت مع تلك القيم.

بالتالي الفتوى هي استراتيجية إيرانية موسمية، لا تختلف عن لعبة تقاسم الأدوار بين الإصلاحيين والمحافظين، وجل هذه الاستراتيجيات هدفها التظليل عن الهدف الرئيسي وهو السعي لتمدد ونفوذ إيران لما يتجاوز حدودها، وهو ما عطلته الضغوط الاقتصادية والعقوبات، بل أدت إلى ضغط داخلي مثل خروج الشارع في أكثر من مناسبة.

فهل السلاح النووي الإيراني خط أحمر حقيقي للعالم، وهل سيرفض الأوروبيون والأمريكان وربما الروس أن تكون إيران الدولة العاشرة في النادي النووي؟ أم أنه خط أحمر شبيه بخط باراك أوباما الذي رسمه في سوريا إن استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيميائية، واتضح لاحقا أنه خط رسم على ماء.

أعتقد أن تلميع زجاج النافذة من قبل الأوروبيين قليلا، واقترابهم من الموقف الأمريكي، والذي عبر عنه الجنرال ماكينزي مؤخرا، يعطي فرصه للتأمل في أهداف إيران الحقيقية، وهي رفع العقوبات والاعتراف بتدخلها في شؤون دول المنطقة، وعدم التطرق لصواريخها البالستية.

أما الحديث المتتالي عن الانسحاب من الالتزامات النووية، وتعليق عمل المراقبين، أو حتى رفع نسب التخصيب، فهو أمر من الجيد الحصول عليه لكنه ليس أولوية، بل ليس أكثر من أداة تفاوض، فمن يريد أن يصنع سلاحاً لا يكون سبيله لذلك الحديث عنه.

موقع العربية
https://www.alarabiya.net/politics/2021/02/24/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%AE%D8%B7-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1%D8%9F
الإربعاء 24 فبراير 2021


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *