مم يخاف حزب الله ؟

من قمة الزهو التي عاشها حزب الله والتي عبر عنها قاسم سليماني احتفاء بفوز 74 نائباً في البرلمان، اعتبرهم نواباً لحزب الله، في منتصف عام 2018، الذي كان في جزء منه فرد عضلات أمام خروج إدارة ترمب من الاتفاق النووي.
مروراً بارتهان قصر بعبدا أسيراً لعامين ونصف في عهدة نصر الله، حتى وصول ميشيل عون إلى الرئاسة، وهو ما يمثل الرئيس الإيراني الأول في لبنان، مثلما كان ميشيل لحود الرئيس السوري الأخير في لبنان.

وصولاً إلى تصفية قاسم سليماني مطلع عام 2020، وهو ما مثَّل حالة من اختلال التوازن في كافة الأذرع الإيرانية بالمنطقة وفي المركز بطبيعة الحال، فلا أقسى من جُرح غائر لا تستطيع القصاص له.

هذه الحادثة مثلت مستوى جديداً للخوف بالنسبة لحزب الله وأمينه، تتجاوز القصف المستمر من لدن إسرائيل داخل سوريا، وحتى القصف داخل إيران نفسها للمواقع النووية، وهو ما حاول التعبير عنه في لقاء قبل أسابيع، للحديث عن أنه على قائمة الاستهداف، من باب شد عصب البيئة التي عانت كثيراً جراء العقوبات الاقتصادية على إيران.

الخوف أيضاً كان أداة سورية ورثها الحزب منذ اغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري في 2005، وما تلاها من عمليات اغتيال، ربما كان مفهوماً منها الاغتيال السياسي، لكن اغتيال الصحفيين كسمير قصير وجبران تويني، كان دلالة ضعف لا دلالة قوة.

ضعف في مواجهة الكلمة، خوف من تأثير المقال، قلق من صوت المنطق، والقلق أكبر حين تخرج الأصوات الوطنية المتعالية على الطائفية من رحم الحاضنة الشيعية، فلا يراد لهم الالتفاف حول العلم اللبناني والهوية الجامعة كما حصل في ثورة 17 أكتوبر، بل البقاء مرتهنين للأجندة الإيرانية.

واليوم يفقد لبنان صوتاً حراً آخر وهو لقمان سليمان، الباحث الرصين والمثقف الرزين، والمعارض بوضوح لنهج حزب الله، أو حزب السلاح كما يسميه، وقد كان يعارضه من داخل حارة حريك، ومن دارة العائلة التي وضع على جدرانها تهديدات له، وخرج على إثرها لتحميل حسن نصر الله ونبيه بري مسؤولية أي ضرر يصيبه أو يصيب عائلته، طالباً من الدولة اللبنانية حمايتهم.

والحقيقة أنه قد أصاب لتحميل حزب الله وحركة أمل مسؤولية حياته، فهو يعيش في منطقتهم، وحزب الله هو الحاكم فوق السلطات في لبنان، ولا يتم تشكيل الحكومة ولا التحقيق في المرفأ إلا بمباركته، وبالتالي حتى مع قراءة محللي المقاومة الجهابذة الذين ينسبون عملية الاغتيال لإسرائيل، فالأمر يتراوح حينها بين عدم قدرة الحزب لحماية لجنوب لبنان -مكان الاغتيال-، ومقدار الاختراق الإسرائيلي للبنان الذي يحكمه الحزب.

وهنا تشخيص لمنطقة الخوف التي تسكن حزب الله، بين الخوف من الأصوات الحرة وتململ الحاضنة، وبين الخوف من قرار إسرائيلي بتدمير بنية الحزب استباقاً لأي اتفاق نووي تقدم عليه الإدارة الأمريكية مع إيران، الذي يبدو أنه لن يتم قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية منتصف العام الجاري.

رحم الله لقمان سليم .. رحل جسده وعاشت كلماته.

عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2057372
8 فبراير 2021


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *