شرعت إيران تخلق صورتها في العام الجديد، بعد انقضاء فترة الرئيس دونالد ترمب، والتي شهدت انسحاب الإدارة الأميركية من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، ومارست خلال فترة الضغوط القصوى ما سماه الرئيس روحاني الذي تنتهي ولايته منتصف العام بـ”الصبر الاستراتيجي”.

وحائك السجاد من طبعه الصبر بالفعل، ولكن هذا الصبر يحتاج ما ينسج به سجادته، وبالتالي فقد غلب الفقر الصبر، وشهدنا خلال العامين الماضيين مختلف المساعي الإيرانية، لاستنجاد أي مساعدة تقي من انفجار داخلي بدواعي الاقتصاد المتهاوي، شهدنا ذلك عبر طلب قناة بديلة أوروبية لتقديم مبالغ مقابل بيع نفط بالأجل، وطلب قرض من صندوق النقد هو الأول لإيران منذ 1962، بالإضافة لقرض بخمسة مليارات من روسيا.

ولهذا فالصبر كان شعاراً للاستهلاك المحلي، لا تصادق عليه لا قيمة العملة، ولا تقارب الخطوط بين طبقات كبيرة من المجتمع وخط الفقر، وعليه ارتأت طهران سياسة التصعيد منذ بداية هذا العام سعيا للضغط على إدارة بايدن، وذلك باستهداف المصالح الأميركية في العراق، واستهداف المدنيين في المملكة، واستمرار تعطيل تشكيل الحكومة في لبنان بعد كارثة المرفأ.

وعلى جانب يثير الأوروبيين قامت إيران برفع نسب تخصيب اليورانيوم إلى 20%، بشكل يتجاوز النسب المنصوص عليها في الاتفاق النووي بخمسة أضعاف، كما أطلقت صواريخ سقطت على بعد نحو 180 كيلومترا من موقع حاملة الطائرات الأميركية “يو إس إس إس نيميتز”، في حادثة تذكر باحتجاز زورقين أميركيين في يناير 2016، واحتجاز الجنود الأميركيين عليها لعدة ساعات.

وعلى جانب آخر من الخليج العربي، يأتي العام 2021، بعد أربعة أعوام من إطلاق رؤية المملكة 2030، والتي عبر عنها سمو ولي العهد في 2016 على مستوى المستهدفات الرئيسية، ومن أهمها تنويع مصادر الدخل، وإطلاق الفرص الكامنة للمملكة صناعيا وسياحيا، بما تملكه من موقع جغرافي وثراء في التاريخ والإمكانات الطبيعية والاقتصادية والبشرية.

شهدت مسيرة الرؤية عمل العديد من الجهات في المملكة على التخطيط والتفصيل للخطط والمستهدفات، وإعادة تقييم كافة المسارات، ليأتي هذا العام والمملكة قد سلمت رئاسة العشرين لإيطاليا، وقد رسخت مبدأ المسؤولية الجماعية نحو البشرية، عبر نجاحها في تأجيل الديون عن الدول الأكثر فقرا، وسعيها الحثيث لترسيخ مبدأ عدالة توزيع اللقاح بسعر معقول للجميع.

وشرع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في كتابة أحرف لغة المستقبل، منطلقا من رؤية نيوم ومشروع “ذا لاين”، ليرسم مسارا نحو مستقبل مستدام يعتني بالطبيعة، مشكلا مستقبلا مثاليا للمجتمعات الحضرية، عبر التوازن الطبيعي الخالي من التلوث.

كما قدم سموه رؤيته لصندوق الاستثمارات العامة، ومستهدفاته خلال السنوات الخمس القادمة، في رؤية واضحة لتطوير مداخيل الصندوق وانعكاساته على التنمية في المملكة، في وقت يشوب مستقبل اقتصاديات العالم الكثير من الضبابية وعدم اليقين.

تبع ذلك الإعلان عن استراتيجية العاصمة، لتكون الرياض ضمن أكبر 10 اقتصاديات مدن في العالم، وذلك في حديث مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق وعمدة فلورنسا، والتي عبر عنها السيد ماتيو رينزي باعتبارها عاصمة النهضة بعد جائحة الطاعون، وهذا ما تمثله الرياض بالفعل اليوم كعاصمة النهضة الجديدة.

على ضفتي الخليج يبدو التباين صارخا، ليس تباينا بين ذهنية العبث وذهنية التنمية فقط، بل يبدو أبعد من ذلك، كفرق توقيت بين دولة تعيش بالفعل في القرن الواحد والعشرين، ودولة تتوسد البارود ولا تفارقها أحلام اليقظة، ويصف المتخصصون هذه الأحلام بأنها “مهرب بشري لتحقيق الرغبات التي يصعب تحقيقها في الواقع”.

موقع العربية
https://www.alarabiya.net/politics/2021/01/29/%D9%81%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B6%D9%81%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC
29 يناير 2021


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *