أسقطت تركيا في نوفمبر من عام 2015، طائرة روسية من طراز سوخوي، وقد سقطت المقاتلة التي مات أحد طياريها في منطقة جبل تركمان في محافظة اللاذقية السورية، الرواية التركية حينها ذكرت بأن المقاتلة دخلت الأراضي التركية، وأنه تم تحذير قائد الطائرة عشر مرات عبر قناة طوارئ قبل إسقاطها.
تركيا لم تعتذر بعد الحادثة، وموسكو من ناحيتها لم ترد عسكرياً، بل قامت بفرض عقوبات اقتصادية وإيقاف الرحلات السياحية إلى تركيا، هذه العقوبات دفعت أنقرة للنزول من الشجرة والاعتذار بعد حوالى ستة أشهر، وفي رسالة أردوغان للرئيس الروسي، أبدى «التعاطف والعزاء» لأسرة الطيار، وأضاف ديميتري بسكوف المتحدث باسم الكرملين أن «الرسالة تنص، على وجه الخصوص، على أن روسيا صديقة لتركيا وشريك استراتيجي لا تريد السلطات التركية إفساد العلاقات معه».

وأبعد من ذلك أسهم أردوغان في نحر حلب، وتسليمها للنظام السوري وحلفائه قبل أن تحسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية عام 2016، مما مثل أيضاً بداية منحنى تخفيف اللهجة والإجراءات التي كانت تدعم المعارضة وتسعى لإسقاط نظام الأسد.

وخلال العام الجاري ولدوافع اقتصادية غالباً، توجهت تركيا للتدخل في ليبيا عسكرياً، ونفذت جسراً جوياً وبحرياً لنقل الإمدادات والمقاتلين السوريين، مما أغضب كثيراً من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، والعديد من الدول الإقليمية وعلى رأسها مصر، والتي اعتبرته تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

تعدى ذلك إلى التمدد في شرق المتوسط بحثاً عن الغاز، الذي تحول إلى تحدٍ مباشر لدولتين أوروبيتين وهما قبرص واليونان، مما استدعى مناقشة فرض عقوبات أوروبية على تركيا، وإن كان الأوروبيون غير موحدين حول تركيا، لوجود تقاطع مصالح مع عدة أطراف، مما دفع ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا لتكون أقل حدة نحو أنقرة.

وفي خطوة مثلت تقارباً مع روسيا، وجزءاً ربما من الاعتذار عن إسقاط الطائرات، ولتكرار اللعب على التناقضات الأوروبية، عبر اللعب على التناقضات الروسية الأمريكية، توجهت تركيا لشراء الدفاعات الجوية الروسية من طراز S400، في خطوة عدت استفزازاً لواشنطن وللناتو على حد سواء.

اعتقد أردوغان أن قيامه بالحرب في ليبيا، بشكل يعتبر مضاداً للمصالح الروسية، يمكن بيعه على الأمريكان باستنزاف الروس، ويمكن إعادة بيعه على روسيا، بالتنسيق للمصالح المتضادة بتطوير منصة تشبه منصة إستانة.

ولكن على عكس المتوقع صادق الكونجرس على مشروع قانون العقوبات بعدد كاف من الأصوات لتجاوز الفيتو الرئاسي أيضاً، كما صوت أكثر من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ لصالح الميزانية الدفاعية، التي تشمل عقوبات على تركيا.

وصرحت الخارجية الأمريكية بأن واشنطن تفرض عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية في الجمهورية التركية (SSB) وفقًا للمادة 231 من قانون مكافحة أعداء أمريكا لمشاركتها في صفقة مهمة مع شركة روزوبورن إكسبورت، وهي الكيان الرئيسي لتصدير الأسلحة في روسيا.

هذه العقوبات تلت قرصة الأذن، التي تمثلت في إيقاف مشاركة تركيا في التدريب المشترك لطائرات F-35، وسبقت قدوم إدارة بايدن، التي لا تبدو سعيدة بالأداء التركي في أكثر من ملف، خاصة استفزاز الحلفاء الأوروبيين وخيانة الهوية التي بني عليها الناتو.

وبالتالي وجدت أنقرة الملجأ الوحيد للهروب من غضبة أمريكية هو إسرائيل، وأرادت أن تخفف التوترات التي تمت بين البلدين في 2018 وتم طرد السفراء على إثرها، بالرغم من العلاقات التجارية والاستخبارية القوية بين الطرفين، وقد صرح أردوغان بعد صلاة الجمعة الماضية في إسطنبول، بأن بلاده ترغب في إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل مع بعض التحفظات على أدائها مع الفلسطينيين.

خمس سنوات من تدخل روسيا في سوريا وتحولها لصاحب القرار الأول، ثم أربع سنوات من حكم ترمب، وكثير من العنتريات التي ذهبت أدراج الرياح، ومنها تبرئة وإعادة القس برانسون لواشنطن، ومزايدات على الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل، والتي لم يعتذر منها وهو يتودد لإسرائيل بعد صلاة الجمعة.

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2052960
الاثنين 28 ديسمبر 2020


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *