تبدو الكتابة هذا الأسبوع في أي موضوع عدا الانتخابات الأمريكية هو هروب من الموضوع الرئيسي الذي يترقبه الكثيرون حول العالم، وسط مبالغة شعبية في العالم العربي عن حجم تأثير هذا التغيير على تفاصيل المنطقة، وهو كما يقول المثل الأمريكي «الفيل في الغرفة».
ونحن هنا بين تناولين لفهم السياسة الخارجية الأمريكية، هناك فهم يبالغ في اعتبار التغييرات في المناصب التنفيذية كشكليات، وأن لأمريكا مخططاتها الراسخة التي تسير عليها منذ عمل على هندستها هنري كسينجر في سبعينات القرن الماضي.
وهذا الفهم يغفل في الدرجة الأولى أن النظام الأمريكي هو نظام رئاسي وليس نظاما برلمانيا، مما يمنح الرئيس سلطات كبيرة، وقدرة كاملة على حرف السياسة الأمريكية نحو ملف خارجي بدرجة كبيرة، لكن حتى هذا التحليل يؤخذ بطريقة مبالغ فيها، فلا ترمب لو استمر في المكتب البيضاوي سيخوض في اليوم التالي حربا مع إيران، ولا بايدن سيقفز إلى الاتفاق النووي في اليوم التالي لدخول البيت الأبيض.
وأرى أن أمريكا كدولة عظمى وبما لها من تأثير، هي في نهاية الأمر تقيم الواقع الموجود أولا ولا تصنعه بالضرورة، فاليوم الرئيس الأمريكي يأتي لمنطقة تتجه دولها إلى سلام مع إسرائيل، كما أن البحرين والإمارات تشتركان في الرؤية حول إيران باعتبارها الخطر الأكبر في المنطقة، وعلى ضرورة اتخاذ كل الخطوات التي من شأنها منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
وحيثما توجهت بوصلة الانتخابات الأمريكية، فلا يمكن إغفال أمرين رئيسيين في الملف النووي؛ الأول أن العقوبات الأمريكية الأخيرة والوضع الاقتصادي الإيراني ورقة تفاوض مهمة لواشنطن، العامل الآخر هو العودة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، مما يدفع للتفكير ملياً في جدوى الاتفاق النووي من التحقق من سلمية البرنامج الإيراني.
من جانب إيران تعتبر أن ما قام به الرئيس ترمب من انسحاب من الاتفاق النووي هو صفعة لا ترغب في تكرارها، وبالتالي تطمح إلى معاهدة لا إلى اتفاق، بشكل يحفظ لها حقوقها مهما تغير مسار النهر في واشنطن بعد أربع سنوات.
وأحيانا بعيدا عن ما يحدث في واشنطن، نحن لدينا من المشاكل المعقدة في المنطقة ما يصعب حلها بعصا سحرية، فإذا أخذنا النموذج السوري، فقد استبقت روسيا انتخابات 2016 بتدمير حلب، وسحب أردوغان تابعيه بحافلات إلى الشمال السوري، من جانب آخر يعتبر رفض بقاء الأسد من القواسم المشتركة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وهذا ما جعل تمرير قانون قيصر سلسا، رغم ذلك ماذا تغير في سوريا خلال أربع سنوات، لمصلحة أي طرف.. لا شيء يذكر.
وفي لبنان اليوم والذي يعطل حزب الله وباقي الثلاثية الحاكمة تشكيل الحكومة حتى حسم الانتخابات الأمريكية، بينما استعجل تنصيب العماد عون في 2016، يبدو هناك مبالغة عربية في مستوى الاعتماد على تأثير ناهيك عن اهتمام واشنطن بملفات المنطقة، وإن كان من أثر على لبنان ناجم من تعامل السياسة الأمريكية تجاه إيران، فهذا يعود إلى أن اللبنانيين استسلموا لحكم حزب الله.
الأمريكان يستخدمون لغة جديدة في هذه الانتخابات، نتيجة حالة استقطاب كبيرة، ناجمة من إستراتيجية الرئيس ترمب، التي خلقت موالين متطرفي الولاء، وخصوما مخلصي العداء، كما أن حالة الاستقطاب هذه أدت لارتفاع نسبة المصوتين، ودخول فئات منها سكان الريف الذين لم يكونوا عادة يعبهون بالانتخابات، غداً سيعرف العالم هل سيغادر الحزب الجمهوري «الفيل» الغرفة أم سيبقى فيها.
2 نوفمبر 2020
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2046793
صحيفة عكاظ
اترك تعليقاً