في هذا الشهر تمر ثلاث سنوات على مقاطعة قطر من قبل دول الرباعية العربية، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وتمر أيضا ست سنوات على سحب الدول الخليجية الثلاث لسفرائها من الدوحة، قبل أن تنصاع الأخيرة لطلبات الدول الخليجية الثلاث وتقوم بإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، وترحل بعضا من القيادات من أراضيها إلى تركيا.
وبين المقاطعتين كانت قطر تلعب نفس اللعب العلني بطريقة غير معلنة، فمن ينتقدون النظام المصري والرئيس عبدالفتاح السيسي ليسوا في الدوحة، لكنهم مموّلون من الدوحة سواء كانوا في إسطنبول أو لندن، وأنشئت قنوات تلفزيونية وصحف بديلة، تصدر من عدة عواصم غربية، وتستمر في نفس طرق الإساءة للدول العربية والإضرار بالمصالح القومية العربية.
والحقيقة أن قطر لا تختلف عن الدول العربية في مستوى وجهات النظر حول الأمن القومي العربي، كما يحاول أن يسخف الأمر بعض الناطقين باسم قطر، جاعلين الخلاف يبدو كما لو كان على المستوى النظري.
الخلاف مع قطر هو خلاف إستراتيجي لا يختلف في حقيقته عن رؤية الدول المعادية للعالم العربي وعلى رأسها طهران التي تتمنى سقوط الأنظمة في كبرى الدول العربية السعودية ومصر، فهذا ما يؤمن لها موطئ قدم، ونذكر كيف وصل أحمدي نجاد للقاهرة في عهد مرسي، ولم يكن ذلك يرتقي لمستوى الحلم في عصر الرئيس الراحل محمد حسني مبارك.
حتى القذافي الذي يبدو أن الأمير السابق ورئيس وزرائه كانا يستمتعان بالحديث معه حول الرؤية الإستراتيجية للعالم العربي، حسب التسريبات المتتالية، والسعي لتقسيم المملكة ومحاولة اغتيال المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لم يسلم منهم ومن غدرهم، فكانوا أول من دعم إخوان ليبيا لإسقاط القذافي، وكانت قطر من أكثر الداعمين لتدخل الناتو.
واليوم تعيد الكرّة بدعم تركيا في احتلالها لليبيا، وخرج وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني كأول المعلقين على المبادرة المصرية للسلام في ليبيا، رافضا اتفاق القاهرة، معتبرا أن خليفة حفتر لا يهتم بالحل السياسي إلا إذا اضطر له.
وهذا يعني ضمنيا الاعتقاد بأن تركيا ستحسم تقدمها نحو سرت وباقي المناطق الليبية عسكريا، لذلك لا داعي لحل سياسي، لن يمنح حلفاءها وتركيا ما يمكن أن تغنمه عسكريا. إلى جانب هدف آخر هو تقويض أي جهد مصري لدعم حل سياسي، إضافة إلى جهودها المبذولة لدعم الإرهاب في سيناء، ومحاولة إفشال أي جهود لمصر في الملف الفلسطيني.
الدول الأربع ليست وحدها المتضررة من تدخلات قطر بل عدة دول عربية. شهدنا كيف سعت لإجهاض جهود عبور السودان لمستقبل ما بعد البشير، وربما الغضب القطري كان أكبر بسبب خسارة تركيا لقاعدتها في السودان، مما جعل الحكومة الانتقالية خصما للدوحة، وهذا الأمر يمتد لدعمها لحركة الشباب الإرهابية في الصومال، والتي كشفها مؤخرا دفع الفدية لتخليص الرهينة الإيطالية سيلفيا رومانو.
كذلك في تونس تستمر في دعم راشد الغنوشي وحركة الإخوان المسلمين، لكي يكونوا رافدا لجيرانهم من إخوان ليبيا ومرتزقة أردوغان الذين تم نقلهم من إدلب في سوريا إلى طرابلس الغرب، بهدف إحكام القبضة على ليبيا وبالتالي الوصول للهدف النهائي، وهو تقويض الأمن المصري.
الأمثلة موجودة في كل دولة عربية تقريبا، مقترنة بطموح قطر في لعب دور أكبر من حجمها، يستهدف دائما تقويض الأنظمة، وهو أمر لا يتم لتحقيق مصلحة شخصية، فقطر أصغر من أن تكون لها طموحات استعمارية، بل هو يخدم الأجندات الغير عربية في المنطقة، أولا في فلسطين حيث استمرار الانقسام الفلسطيني، والذي تموله قطر ويحقق فرصة ذهبية لإسرائيل للقول إن الفلسطينيين ليسوا مستعدين للسلام.
وهو ما يعطي ذريعة لاستمرار ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة والتوسع في بناء المستعمرات كما يهدف نتنياهو، عوضا عن دعم المبادرة العربية للسلام والتي قُدمت من السعودية في 2002، خلال القمة العربية في بيروت، وهدفت لمنح فلسطين دولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية، مبنية على قرار فلسطيني موحد وقرار عربي يحقق ضغطا دوليا على إسرائيل.
ما قامت به قطر خدمة لإسرائيل، قامت به خدمة لأجندة تركيا وإيران، وربما من بركات المقاطعة أن هذا الدعم أصبح بلا أقنعة. وشهدنا كيف دعمت إيران في مواجهة العقوبات الأميركية، وكذلك دعمها المستمر لأردوغان في ظل الخسائر الشعبية المتتالية التي يتعرض لها، سواء في الانتخابات البلدية السابقة، وتراجع الاقتصاد وسعر العملة، أو على مستوى خروج كثير من قيادات الحزب رفضا لسياساته.
حين وقع الشيخ تميم بن حمد أمير قطر اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي عام 2014، تزامن ذلك مع توقيعه اتفاقية دفاعية مع تركيا، وبالتالي النوايا السيئة ضد الرياض وباقي دول الرباعية لم تغب يوما، ومحاولة إسقاط النظام في البحرين أو الإضرار بأمن الإمارات ومصر كانت دوما حاضرة في الأجندة القطرية.
وحين شكلت المملكة أول تحالف عربي يتصدى للمشروع الإيراني لضم العاصمة العربية الرابعة لأحلام الإمبراطورية الفارسية، كانت قطر تمثل العميل المزدوج فيه، وهذا تبين أكثر بعد طردها من التحالف وتجميد مشاركتها، حيث تبين دعمها للحوثيين والتحريض على مهاجمة السعودية. وهذا هو الثابت الوحيد في السياسة القطرية، منذ انقلاب حمد بن خليفة على والده.
كان الحديث سابقا عمن هو صاحب قرار القيام بخطوات نحو المصالحة، وهل هو تميم بن حمد أم والده، ولعل ما ظهر من تسريبات حول زيارة وزير خارجية قطر في نوفمبر الماضي للرياض، ثم زيارة أردوغان للدوحة لتقويض المصالحة، تبين أن عنوان القرار القطري تغير ولم يعد في الدوحة بل في أنقرة، وهذا يعني أن المصالحة لكي تتم لا تحتاج قرارا من الدوحة بل تغييرا في الباب العالي.
صحيفة العرب
https://alarab.co.uk/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B7%D8%B9%D8%A9-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%A3%D8%AB%D8%A8%D8%AA%D8%AA-%D8%B5%D8%AD%D8%AA%D9%87%D8%A7
الخميس 11 يونيو 2020
اترك تعليقاً