مفهوم الأمن الغذائي يُشير إلى ضرورة توفير ما يحتاجه الأفراد من مواد لازمة من منتجات غذائية، وقد يكون هذا التوفير يعتمد على التعاون مع الأقطار الأخرى أو بالاعتماد على الذات فقط، وقد عانى العالم من تدهور في الأمن الغذائي أدى لمعاناة ما يقارب المليار إنسان من الجوع.

وللأمن الغذائي أربعة أبعاد؛ هي الوفرة، بحيث تتواجد كميات غذاء تكفي الأفراد ضمن المخزون الاستراتيجي للبلد، وسلامة الغذاء وهو ضمان صحة الغذاء وسلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري، والأمر المهم أيضاً هو أن تكون أسعار السلع والمنتجات ضمن متناول يد الأفراد، بما يشمل إمكانية وصولها للطبقات الأكثر فقراً، وأخيراً استقرار أوضاع الغذاء دون أي تغيير في الأبعاد الثلاثة السابقة.

وفي هذا الوقت الذي نعيش فيه جائحة كورونا، شهدنا خللاً في الأمن الغذائي في عدة دول، وهو ما حركه بشكل رئيسي هلع الناس وهبتهم لشراء منتجات تفوق حاجتهم من المحال التجارية، وربما لاحظنا قبل الأزمة وجود أزمة في أستراليا على سبيل المثال، تمثلت في شراء كميات كبيرة من لفائف المناديل.

بالطبع تنضم أزمات الأمن الغذائي لتحديات البيئة والمياه، والتي كثيراً ما تم الحديث عن أن الحروب المستقبلية على المياه، وهي أزمات في جلها مرتبطة بسوء إدارة الإنسان للموارد الطبيعية المتوفرة، وعدم التعامل بالطريقة التي تضع أجيال المستقبل في الحسبان.

لكن اليوم ونحن نعيش جائحة كورونا، لم يكن الأمن الغذائي وحده المتضرر، بل تضررت عدة دول بسبب عدم وجود إمكانيات طبية كافية لديها، يبدأ هذا من توافر المعقمات والأقنعة، وصولاً إلى وجود القدرة السريرية الكافية لاستقبال الأعداد المتزايدة من المرضى.

وعدم وجود هذا «الأمن الصناعي»، أثر حتى على القرار السياسي للدول الأوروبية، فالتساؤل الذي أطلقه دونالد ترمب حول مسؤولية الصين عن كوفيد-19، وتأكيده على إخفاء بكين لمعلومات عن الفايروس بالإضافة للتأخر عن الإعلان عن الفايروس، وهو وباء كان يمكن تخفيف آثاره لو كان الإعلان عنه مبكراً.

لكن خشية الدول الأوروبية من غضبة الصين، وبالتالي رفضها لتصدير المستلزمات الطبية، دفعها للاعتراض بصوت خافت على تعامل الصين المبدئي مع الجائحة، والذي شمل كذلك طرد عدة صحفيين غربيين مع بداية الأزمة.

خلال العقود الثلاثة الماضية هربت كثير من الاستثمارات الصناعية العالمية إلى الصين، حيث التكلفة غير قابلة للمنافسة، فلو صنعت أبل هواتفها المحمولة بالكامل في أمريكا، فإن هامش الربح سينخفض كثيراً مقارنة بالوضع الحالي عبر الصناعة في ووهان الصينية.

وكان تقييم الاستثمارات الصناعية معتمداً بشكل رئيسي على التكلفة، وبالطبع لا يوجد مقارنة بين كل تكلفة اليد العاملة في جل العالم الأول، وحتى في العالم العربي، مقارنة بالتكلفة المنخفضة لليد العاملة في الصين.

ولكني أرى أن التغيرات الجذرية التي تتوجب علينا بعد كورونا، تستلزم بالدرجة الأولى، الاستثمار الصناعي، للتحقق مع وجود أمان صناعي للمملكة، لا يعتمد على الواردات الصناعية من أي دولة، خاصة الواردات الطبية، وهو ما يؤكد أهمية المحتوى المحلي ونقل المعرفة الذي أكدت عليه الرؤية.

فثمن الأمن الصناعي الطبي أكبر بكثير من ثمن توفير تكلفة الواردات من أي دولة.

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2022494
الاثنين 4 مايو 2020


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *