أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية والجيش الوطني اليمني عن وقف لإطلاق النار في اليمن، على أن يدخل هذا الإجراء حيز التنفيذ الخميس الماضي، لمدة أسبوعين تكون قابلة للتمديد، بهدف تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث لعقد اجتماع بين الحكومة الشرعية والحوثيين.
كان الهدف من هذا الإجراء هو بحث سبل وقف كامل لإطلاق النار، على أمل وجود فرصة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والخروج بحل سياسي يمني – يمني، وليس حلا يشرعن السيطرة الإيرانية على اليمن، وبالتالي يكون بمثابة حل يمني – حرس ثوري.
كما أن هذا الطلب جاء ضمن الدعوة العامة للأمين العام للأمم المتحدة، من أجل إيقاف جميع النزاعات العسكرية في العالم، لأننا في مرحلة استثنائية، ونتعامل مع جائحة مجهولة المعالم، أصابت حتى الآن ما يزيد عن مليوني إنسان حول العالم، فضلا عن أن الجمعة الماضي شهد أول حالة كورونا مؤكدة في ساحل حضرموت.
إلا أن الطرف الحوثي استمر في ممارسة الخروقات لوقف إطلاق النار، حيث بلغت 241 اختراقا في أول يومين من إعلان الهدنة، ولم يستجب التحالف لهذا الاستفزاز، حيث علق المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي “نطبق أقصى درجات ضبط النفس بقواعد الاشتباك مع حق الرد المشروع لحالات الدفاع عن النفس بالجبهات”.
إنسانيا، الحوثيون لا يعنيهم الشعب اليمني، هذا ما أثبتته التجارب السابقة ومنها سرقة أدوية الملاريا التي تصل عبر ميناء الحديدة، لكي تبقى لعناصرهم إذا ما أصيب أحدهم بالمرض، رغم أن خطاب عبدالملك الحوثي الذي سبق احتلال العاصمة، كان يتحدث فيه عن الظلم الكبير الذي أوقعته الحكومة اليمنية على الشعب اليمني عبر رفعها لسعر المحروقات، لكن الرهان دائما على ذاكرة الأسماك.
منذ دخول الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وإقرارهم باتفاق السلم والشراكة، والذي لم يلتزموا بما نص عليه في الشق العسكري، بالرغم من أنهم هم من صاغه، مرورا بمفاوضات الكويت الممتدة لعدة أشهر، ثم جولات جنيف، كان هناك حرص على شرعنة وجودهم.
الحوثيون لا يريدون في نهاية المطاف تمثيلا سياسيا يناسب حجمهم في نسيج المكونات اليمنية، وطموحهم أقرب ما يكون لتنفيذ حكم الأسد، وهو حكم الأقلية العلوية في بلد متعدد أغلبيته من السنة، وبالتالي كانت إطالة أمد المعركة أمرا إستراتيجيا، والتحالف مع علي عبدالله صالح ثم التخلص منه، كان هدفه تسهيل وصولهم للغاية النهائية.
ولعل الوثيقة التي نشرها الحوثيون قبل ثلاثة أيام توضح هذا الهدف بشكل نهائي، حيث أعلنوا عمّا سمي “مقترح وثيقة الحل الشامل لإنهاء الحرب على الجمهورية اليمنية”، ولأول مرة لا يوقعون وثيقة تحت اسم “أنصار الله”، بل سموا أنفسهم “الجمهورية اليمنية بصنعاء”، وعلى مستوى الطرف المقابل، لم يذكروا حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، أو حتى “الجمهورية اليمنية بعدن”، بل اعتبروا أن مقترحهم للتفاوض مع المملكة العربية السعودية والتحالف العربي.
برز في الوثيقة الحرص الحوثي الشديد على إعادة فتح مطار صنعاء للطائرات الدولية، وهذا يظهر حرص الحرس الثوري على استغلال أزمة كورونا للضغط سياسيا من أجل إيصال المزيد من الخبراء والأسلحة للحوثيين، فإيران لا تعتبر كورونا معركتها الحقيقية، بل إن الرئيس حسن روحاني عبر عن أنه حتى لو مات مليونا شخص في إيران فإننا لا نعطل البلد اقتصاديا.
معركة إيران الحقيقية هي الإحكام على العراق واليمن، وإذا ما فاز رئيس ديمقراطي في الانتخابات الأميركية القادمة، فإنه على الأرجح سيبارك هذا الاحتلال الإيراني، وسيرفع العقوبات مما يسهم في تمويل الأذرع لإتمام السيطرة على اليمن، وتنفيس الحاضنة الشعبية لحزب الله في لبنان.
لذلك فإن فوز الرئيس دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية لا يعني إلا تجرع السم مرة أخرى، والموافقة على ما لا ترغب فيه طهران، ولن يكون الاتفاق الجديد ساذجا للطلب من إيران التوقف عن صنع سلاح لعشر سنوات، ولن يكون خاليا من وقف التدخلات الإيرانية في المنطقة.
وبالتأكيد فإن إفشال فوز ترامب هدف رئيسي منذ إعلانه الخروج من الاتفاق النووي، وربما قبل ذلك حين جعل زيارته الخارجية الأولى للرياض، فقامت إيران بإطلاق صواريخ من اليمن نحو العاصمة الرياض، فكانت هذه رسالة طهران عن اليمن.
ولكن إستراتيجية إسقاط ترامب تأثرت بعاملين. الأول تفشي فايروس كورونا، والآخر اغتيال قاسم سليماني، الذي يعتبر بالنسبة لإيران تغييرا في قواعد الاشتباك، ومنه بدأت في مسلسل استهداف القواعد الأميركية وإصابة وقتل جنود في التحالف الدولي.
ففي اليمن يتمنى الحوثيون انتشار كورونا حتى تمارس ضغطا لفتح المطار بادعاء الحاجة لمستلزمات طبية، بينما لا يتوقع أن يصل ذلك عبر طيران ماهان الإيراني، وإذا ما وصلت أجهزة طبية وأدوية للحوثيين عبر المنظمات الدولية فإن التنظيم سيبقيها على الأرجح لعناصر ميليشياته، علما بأن السعودية قدمت مؤخرا 25 مليون دولار دعما للحكومة اليمنية في تصديها لوباء كورونا، تضاف لـ500 مليون دولار قُدمت هذا العام لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن.
كما أن وقف إطلاق النار الذي أعلنه التحالف العربي يؤكد أن الحوثيين هم الراغبون في استمرار المعركة، لأن الحل السياسي المنطقي الذي يحترم أوزان المكونات اليمنية لن يكون مجديا لهم، واعتقد أن التجربة الأخيرة باستهداف المملكة بالصواريخ، حملت أيضا ردا مناسبا على الحوثيين داخل صنعاء والتي لم يستهدفها التحالف منذ أشهر.
يريد الإيرانيون لورقة اليمن أن تكون أكبر، حتى يكون التفاوض عليها معقدا، ولهذا طلبت منهم الادعاء باستهداف المنشآت النفطية في بقيق، رغم أن الجميع يعلم أن الصواريخ انطلقت من الشمال، وحاول الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاباته مرارا التأكيد على أن القدرات الحوثية كبيرة، وأنهم لا يتلقون مساعدات وتدريبا من الحرس الثوري أو من حزب الله.
ما يجري في اليمن يرتبط بالمركز في طهران، كما في بغداد ودمشق وبيروت، والمركز اليوم أقرب إلى الحرس الثوري منه لحكومة حسن روحاني، ويأتي إعلان واشنطن مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن شبكات الحرس الثوري في اليمن، ضمن تطور إستراتيجية أميركية شاملة لإخضاع إيران، عبر عقوبات اقتصادية وتصد عسكري للأذرع.
صحيفة العرب
https://alarab.co.uk/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86
الخميس 16 أبريل 2020
اترك تعليقاً