الخلاف في العراق وعلى العراق بين واشنطن وطهران، إستراتيجي لدرجة أن فايروس كورونا لم يوقف هذا الصراع، علما بأن أمريكا تتصدر الدول المصابة بالوباء، وربما الوضع لا يختلف كثيرا في إيران لو أفصحت عن الأرقام الصحيحة.
النائب الإيراني حشمت الله فلاحة بيشت، صرح بأن أمريكا وإيران تقتربان من الحرب بشكل غير عادي، وأن هذا يحدث بسبب «طرف ثالث»، ولم يسم من هو الطرف الثالث، لكن اعتبر اندلاع الحرب ظلما للبلدين، كبير مستشاري القائد العام للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، اللواء يحيى صفوي، حذر أمريكا من تكبد هزيمة كبرى أمام الشعب العراقي في حال أرادوا مواصلة بقائهم غير القانوني في العراق.
تأتي هذه التصاريح بعد أشهر من القصف الصاروخي المتبادل بين قواعد عسكرية أمريكية، أبرزها قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقصف إيراني عبر ميليشيات الحشد وحزب الله العراقي، لمحيط السفارة الأمريكية، وزاد التصعيد في مرة حتى وصل لتدمير بوابة السفارة والدخول لباحة السفارة.
وبالطبع كانت الضربة الأكثر إيلاما لإيران هي اغتيال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، وهو ما اعتبرته طهران تغييرا لقواعد الاشتباك، ورغم كل التصعيد الذي قامت به عسكريا بعد ذلك، ثم سياسيا عبر تصويت البرلمان دون السنة والأكراد، على قرار مغادرة القوات الأمريكية للعراق، إلا أن واشنطن تعطي كل يوم مؤشرا بجديتها في التصدي للنفوذ الإيراني في العراق.
الخطوة الأمريكية الأخيرة تؤكد ذلك، حيث باشرت الولايات المتحدة نشر أنظمة باتريوت الدفاعية في قاعدتَي عين الأسد بمحافظة الأنبار في غرب العراق وحرير في أربيل شمال البلاد، مما ينبئ بتصعيد وشيك ضد الفصائل الموالية لإيران، ويعني كذلك الاطلاع على خطط إيرانية لاستهداف أهداف أمريكية بصواريخ بالستية، أو صواريخ كاتيوشا التي تطلقها أطراف عراقية نيابة عن إيران.
كان رهان إيران بدرجة كبيرة على قصر نفس الأمريكان، وهو ما لم يحدث منذ بدء إقرار العقوبات الاقتصادية، أو سياسة الضغط القصوى، التي آتت أكلها مع إيران لدرجة أنها بدأت ميزانيتها بقرض روسي يبلغ 5 مليارات دولار، وقبلها فاوضت الأوروبيين على 15 مليار دولار، كثمن لمبيعات نفطية لاحقة، ثم أتاها الكورونا لتضطر للطلب للمرة الأولى منذ الستينات الميلادية، من صندوق النقد الدولي قرضا بخمسة مليارات دولار.
وهذا البعد الاقتصادي هو عامل مهم من عوامل التمسك الإيراني بالعراق، وهو يوضح مدى إدراك الإدارة الأمريكية لإستراتيجية إيران للاستفادة من العراق اقتصاديا، حيث يعتبر القناة الاقتصادية الوحيدة التي تتنفس منها إيران، عبر بيع البضائع الإيرانية رديئة الجودة والمنتجات الزراعية على العراق.
وبالتالي رغم الأهمية الجغرافية والتاريخية للعراق في الذهنية الإيرانية، خاصة لجهة الربط مع سوريا ولبنان، لكن التنازل في العراق سواء للأمريكان أو للمظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير في المناطق الشيعية، يعني سقوط النظام الإيراني تماما، وهو الذي يعاني من مظاهرات محلية منذ رفع أسعار البنزين.
فالحرس الثوري حين اختار التصعيد في اليمن وفي العراق، رغم دعوات التهدئة للتصدي لأزمة كورونا، أخذ خطوات هروب للأمام، لأنه في حقيقة الأمر يعي أن الرجوع للوراء له مصير واحد.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2018379
الاثنين 6 أبريل 2020
اترك تعليقاً