دائما ما كان استقرار أسعار النفط مرتبط بوفرة الإمدادات، وذلك بشكل متوازن لا يرتفع إلى الإغراق ولا ينحسر إلى شحّ المعروض، وهو ما ينتج عنه بالنهاية سعر معقول لبرميل النفط، يوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين.

هذا هو الهدف الذي سعت له مجموعة أوبك وبعض المنتجين من خارجها وأبرزهم روسيا، وبالتالي تشكل تحالف أوبك+، والذي مثل أرضية تعاون وتنسيق حول تقديرات الطلب في الأسواق العالمية، وبالتالي قرار خفض الإنتاج من رفعه.

وهو اتفاق نادر بين دول أوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وحتى مع الاتفاق لم يكن مستوى الالتزام مرتفعا من كافة الأطراف، وكان بعض المنتجين ومنهم روسيا، يريدون دوما من المملكة أن تتحمل الرصيد الأكبر من الخفض.

وإذا عدنا إلى العام 2018 الذي كان عاما جيدا من أعوام التعاون داخل أوبك+، فقد مكثت أسعار النفط طوال العام في المنطقة ما بين 60 و80 دولارا، قبل أن تشهد الأسعار هبوطا في آخر شهرين من العام، وعليه تعهد التحالف بتخفيض الإنتاج في 2019 بمقدار 1.2 مليار برميل يوميا، لكن شركة FGE الاستشارية توقعت ألا يزيد الالتزام بالخفض عن 350 ألف برميل، أي أقل من ثلث الكمية المتفق عليها.

في 2019 كانت الأمور أسوأ مع اندلاع الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، وخفض آنذاك صندوق النقد الدولي لتوقعاته للنمو العالمي إلى 2.7 بالمئة، وإذا ما انخفض النمو العالمي عند كبار المستهلكين مثل الصين والهند، أدى ذلك إلى خفض الطلب وبالتالي وجود فائض ينعكس سلبا على الأسعار.

ولأن الأمور تتجه من السيء للأسوأ بكل أسف، فإن عامنا هذا وإن استبقه بعض الهدوء في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، إلا أنه أتى محملا بفايروس كورونا الذي لم تسلم منه 161 دولة في العالم، مما ألزم الكثيرين بيوتهم، وهو ما ينذرُ بمزيد من التراجع في أسعار النفط، إذا لم يتحقق تخفيض إضافي.

وخلال اجتماع أوبك+ الأخير، مارس الجاري، أرادت دول أوبك باختصار تخفيض المعروض، وأرادت روسيا البقاء على نفس المستويات، أو ربما رفع الإنتاج والتحلل من هذا التحالف، حتى انتهاء الكورونا على أقل تقدير.

حثّت أوبك على خفض بمليون ونصف برميل يوميا، حتى تحافظ على سعر مناسب لميزانياتها، في ظل تراجع حتى المداخيل الأخرى وعلى رأسها السياحة والزيارات الدينية، وروسيا من ناحيتها تعاني من عقوبات أميركية وأوروبية، عقبت تدخلها في أوكرانيا، وضمها للقرم وسيباستوبول.

وبالتالي فإن رغبتها في زيادة إنتاجها وتغليب المصلحة الفردية على مصلحة التحالف، ناتج في جزء منه عن التكلفة الاقتصادية للعقوبات، والتي أقر الرئيس فلاديمير بوتين بأنها تكلف موسكو 50 مليار دولار في العام، وذلك منذ العام 2014. المشكلة أن السوق النفطي مترابط بشكل كبير ولا يوجد تحرك منفرد خاصة من كبار المنتجين، إلا ويؤثر في كافة اللاعبين بدرجات متفاوتة.

ونذكر أن روسيا في العام 2014، أبدت عبر رئيس وزرائها دميتري ميدفيديف رغبتها في التوجه لأسواق جديدة، هي الأسواق الآسيوية، وهو ما يعني بين مزدوجين طرق أبواب مستوردي نفط الخليج، وهو الصراع الأعرق في عالم النفط “صراع الحصص السوقية”.

وعندما خرج وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، من اجتماع أوبك+ الأخير في فيينا، معلنا تحلل بلاده من التزاماتها بداية من الأول من أبريل القادم، أصبحت السعودية بين خيار الالتزام منفردة، مما يعني بالنتيجة تضرر حصتها السوقية، بعد ثلاث سنوات من المبادرة بالتضحية تحفيزا لباقي الشركاء.

أمام الرياض فرصة لتصويب المسار
أمام الرياض فرصة لتصويب المسار

وهو ما يذكرنا بالرد السعودي في العام 2014، على مقترح بأن تخفض دول أوبك 1.5 مليون برميل يوميا من سقف إنتاجها البالغ حينها 30 مليون برميل يوميا، فيما يقوم وزير خارجية فنزويلا ومبعوثها إلى أوبك، رافاييل راميرز، بإقناع روسيا والمكسيك بتخفيض الـ500 ألف برميل الباقية.

حيث رفض الوزير الأسبق علي النعيمي هذا المقترح مضيفا “من خبرتي الطويلة التي دامت 60 عاما في قطاع النفط أحب أن أقول لكم إننا لا يمكن أن نعتمد على روسيا أو غيرها لمساعدتنا في رفع الأسعار”.

وبالتالي بقي خيار آخر للسعودية وهو رفع الإنتاج، وهو قرار غير مفيد لكل المنتجين، ولكنه الخيار الوحيد المطروح أمام الرياض لتصويب المسار، وبالتالي أعلنت عن رفعها للإنتاج اليومي من 9.7 برميل يوميا، إلى 12 مليون برميل، بالإضافة إلى منح تخفيضات.

وحتى بعد الرد الروسي من وزير الطاقة بأنه لا يستبعد الجلوس مع أوبك مجددا، كان الرد السعودي مدركا بأن الحاجة الروسية للتعاون لم تنضج بعد، فرد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، بأنه لا يرى حاجة لعقد اجتماع لمجموعة أوبك+ في الفترة من مايو إلى يونيو في غياب اتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع أثر فايروس كورونا على الطلب والأسعار.

وفي قرار رفع الإنتاج تستفيد المملكة من ميزة انخفاض تكلفة الإنتاج، حيث تبلغ 2.8 دولار للبرميل، كما تستفيد من اكتشافات الغاز من معمل غاز الفاضلي، عبر إحلال 250 ألف برميل في اليوم من الاستهلاك المحلي من الزيت، وهذا ما سيسهم في الوصول لـ13 برميلا يوميا.

ولأن المعركة متشابكة، فإن المنتجين ذوي التكلفة الأكبر هم منتجو النفط الصخري الأميركي، وبالتالي بأسعار تحت 30 دولارا وربما حول الـ20 دولارا، ستضطر واشنطن للتخلي عن موقعها كأكبر منتج في العالم والذي وصلت إليه العالم الماضي، وبالتالي كانت الصرخة من داخل الكونغرس.

وهذا ما دفع 13 عضوا من الكونغرس لمخاطبة القيادة السعودية لكبح جماح انخفاض الأسعار، بعد أن هبطت لما دون 29 دولارا، ولكن في نهاية الأمر الأسعار مسؤولية الجميع، ولا ينبغي أن تلام الرياض وحدها على الأسعار المرتفعة وعلى الأسعار المنخفضة في آن معا.

جريدة العرب
https://alarab.co.uk/%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%88%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7
الخميس 2020/03/19


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *