أعلن الرئيس ترمب أنه سيعرض خطة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يوم الثلاثاء الماضي عند الخامسة بتوقيت غرينتش، واستعدت جماعة الشعارات في إيران وبعض من لا زالت تطربهم شعارات الستينات للمزايدة والبحث عن المتابعين، وهو حق مشروع بالمناسبة، ولكن من الأحرى احتراما لعقول القراء والمتابعين الاستماع وقراءة المقترح كاملا ثم التعليق عليه رفضا أو قبولا أو ما بين ذلك.
عند الخامسة أيضا جلس المحللون لمتابعة كلمات الرئيس ترمب بدقة، وهو يتحدث ثم يتلوه رئيس وزراء إسرائيل مرحبا بالصفقة ومسميا إياها فرصة القرن، وذهب بعض المحللين إلى اختصار الخطة في كونها خطة إنقاذية لرئيس وزراء يخشى من أحكام بالسجن، ولم يحقق أغلبية تسمح له بتشكيل حكومة، وبالتالي سيخوض انتخابات جديدة في مارس المقبل.
وبأنها بالنسبة لسيد البيت البيض ككل ما سيصدر منه في 2020 ليس إلا حملة انتخابية رغبة في الفوز بفترة ثانية، بحلول نوفمبر من العام الجاري، وهذا ربما يفسر تصريح ترمب «ستكون هناك دولة فلسطينية بشرط الرفض الصريح للإرهاب.. وسيكون هناك تجميد للبناء الإسرائيلي لأربع سنوات في المنطقة المقترحة للدولة الفلسطينية»، وكأنه يقول هي خطة مرتبطة بي وببقائي في البيت الأبيض لفترة ثانية.
وفي حقيقة الأمر فكل مقترح سلام كان بشكل أو بآخر مرتبط برئيس أمريكي، وعادة يبدأ خليفته من نقطة أخرى، كما وأن ربط المشروع الأمريكي والترحيب الإسرائيلي بانتخابات البلدين صحيح ولكنه غير كاف كمسوغ لإنتاج خطة سلام لقضية استمرت لسبعة عقود كإحدى أكثر قضايا العالم تعقيدا.
اللافت بشكل كبير هو الدور الروسي الحاضر في الشرق الأوسط اليوم، فنتنياهو أعلن أنه سينتقل الأربعاء إلى موسكو لمناقشة الخطة مع فلاديمير بوتين، ولم يبخل الروس بالقول إن الأمريكيين ليس من حقهم تقرير مصير الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف «لا نعرف ما إذا كان المقترح الأمريكي مقبولاً للطرفين أم لا. علينا أن ننتظر ردود فعل الأطراف المعنية».
ومن أدق الوصوف للخطة ما صرح به وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب من أن خطة ترمب للسلام هي «بكل وضوح اقتراح جدي»، فعبر التاريخ كان الإسرائيليون يعتقدون أنهم يكسبون أكثر خارج المفاوضات وبتغيير الوضع على الأرض ليطمس الأمر الواقع ما هو موجود على الورق، بينما اليوم نجد رئيسا أمريكيا أجبر الإسرائيليين للجلوس على طاولة المفاوضات.
أما عن الخطة نعم فهي مجحفة بحق الفلسطينيين، بمنح الإسرائيليين القدس كمدينة موحدة، والتذاكي بجعل أبو ديس، وهي قرية بالضفة الغربية تقع إلى الشرق من الحدود البلدية الإسرائيلية لمدينة القدس عاصمة لفلسطين، وهي قرية معزولة بجدار أمني إسرائيلي إسمنتي ضخم ونقاط تفتيش.
الإسرائيليون يريدون تمرير هدفهم الأكبر وهو اعتراف فلسطيني بيهودية إسرائيل، ومنع حق العودة الذي سيقلب الديموغرافيا بدرجة كبيرة، وأخيرا تذاكٍ آخر بمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا وليس حكما كاملا، وفصل الفلسطينيين بين القطاع وغزة ككنتونات عنصرية، وربطهم بنفق، قد يكون أداء قطع أكثر منه أداة وصل، وأخيرا تراجعت أمريكا عن رفض استمر لأربعة عقود للاعتراف بمستوطنات الضفة.
من جانب آخر يقول جاريد كوشنير إنها المرة الأولى التي يقر بها الإسرائيليون بحق الدولتين، لكن الثابت أن الخطة لن ترى النور دون موافقة الفلسطينيين والفلسطينيين وحدهم، كما أن الخطة هي إطار مبدئي للتفاوض.. لكن الأكيد أنها إن تمت فهي المفاوضات الأخيرة برعاية أمريكية لقضية السلام.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2008090
31 يناير 2020
اترك تعليقاً