لبنان الذي نعرفه اليوم، مر بمراحل عديدة على مستوى الجغرافيا، حتى رسم الجنرال جوزيف غورو الخط الأخير في 1920، وسماه حينها دولة لبنان الكبير، حيث ضم لما كان يسمى متصرفية جبل لبنان، جبل عامل والسهول الشمالية وسهل البقاع.
شكل لبنان أول حكومة منذ اندلاع الثورة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، التي أدت لإسقاط حكومة الحريري، ثم سقوط المرشح سمير الخطيب، قبل أن يشكل حكومته.
الحكومة الجديدة التي يرأسها حسان دياب اعتبرت حكومة لون واحد، حيث لا يتمثل فيها لا القوات اللبنانية ولا التقدمي الاشتراكي، وبدون مشاركة من المستقبل أو الكتائب، وبالتالي هي حكومة حزب الله بشكل صرف.
وتشكيلها من التكنوقراط الذي يشبه «بالشكل» مطلب الثوار، هو تفصيل فني لا يغير في كونها حكومة على القياس الإيراني، حيث الوضع يشبه نتائج البرلمان الحالي، حين عبر آنذاك قاسم سليماني بأن لديهم 74 نائباً في البرلمان اللبناني.
الجنرال الفرنسي غورو كان مؤمنا بالنظرية الفرنسية العسكرية المسماة «الهجوم حتى الإبادة»، وهي يبدو الطريقة التي فضلتها طهران ضد المتظاهرين الإيرانيين، منذ اندلاع الاحتجاجات التي خرجت للشواهد اعتراضا على رفع أسعار البنزين لثلاثة أضعاف.
وكذلك فعلت مع الثورات التي اندلعت في كل من لبنان والعراق، وقد كان لافتا العنف الذي أصاب وسط بيروت في عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت إعلان حكومة دياب، رغم أن العنف لم يكن سمة للمظاهرات في لبنان، ولكنه من ناحية مؤشر للوضع الاقتصادي الذي وصل له لبنان بشكل عام وحلفاء إيران بشكل خاص.
هذا دفع لضرورة إخراج حكومة تكنوقراط كما يطلب الغرب، بأمل أن يتسنى لها القدرة على جذب مساعدات خارجية، وتكون ملتزمة سياسيا بتنفيذ رؤية حزب الله، خاصة إذا ما صدر الحكم النهائي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، فضلاً عن 12 عمليّة مرتبطة بها.
هذا ما تفعله إيران للتعامل مع الثورة اللبنانية المفاجئة، للحفاظ على مكتسباتها، وضمن إداراتها لمعركة عض الأصابع مع واشنطن، أما في العراق فاكتفت طهران بسياسة العنف حتى الإبادة سالفة الذكر، باعتبارها الأكسجين الوحيد المتاح لطهران من خناق العقوبات.
وفي باقي المواقع التي تقع ضمن طموحات إيران الكبير، حيث لا جديد يذكر خلال الأشهر الماضية في كل من اليمن وسورية، ولَم يتأثر الملفان كثيرا بالعقوبات الأمريكية لا سلبا ولا إيجابا.
إيران عانت كثيرا وفوق ما تتصور من العقوبات القصوى الأمريكية، وعندما جربت التحرش العسكري الذي توقعت أنه سيبقى بلا رد، ذاقت قسوة الرد بمقتل سليماني، وعرفت أنها تتعامل مع إدارة أمريكية تختلف تماما عن سابقتيها، بل إنها قد تذهب، خاصة بعد إعادة انتخاب دونالد ترمب، لاستخدام نفس الإستراتيجية «الهجوم حتى الإبادة»، وعندها ستأتيها كوابيس سقوط نظام صدام.
إيران تدرك ألم الرسائل الداخلية حين يلتف الشعب الإيراني حول علمي إسرائيل وأمريكا المرسومين على الأرض، متجنبين الدوس على رسمة العلمين، مما يؤكد أن الجيل الجديد لن يشتري بضاعة «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، بل يتمنى رغد العيش لأمريكا، ويتمنى أكثر العيش فيها.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2006911
الجمعة 24 يناير 2020
اترك تعليقاً