تُعد تصفية طائرة الدرون الأمريكية لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، تغييرا في قواعد الاشتباك العسكري بين واشنطن وطهران، وهي في جزء منها رد كرامة للجيش الأمريكي والسلاح الأمريكي، عقب إسقاط الحرس الثوري لطائرة «MQ-4C تريتون» الأمريكية فوق مضيق هرمز يونيو الماضي.
وقواعد الاشتباك قد تكون تغيرت قبل ذلك وتحديداً عقب تجاوز الخط الأحمر، عبر قتل مقاول أمريكي في قاعدة للتحالف الدولي قرب كركوك، علماً بأن الرئيس ترمب حين تراجع عن الرد على إسقاط إيران للطائرة الأمريكية، علل ذلك بعدم وجود ضحايا أمريكان، وأن الرد المقترح سيكون مبالغا فيه كردة فعل ويشمل ضحايا من الجانب الإيراني.
هذه المقاربة فهمها متأخرا النظام الإيراني، ويتضح ذلك في تصريح كبير المتحدثين باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، أن «إيران ستمتنع عن أي رد متهور ومتسرع» رداً على مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في غارة أمريكية بمطار بغداد، بعد وصوله إليها قادماً من دمشق.
بعد استهداف قاعدة التحالف الدولي واغتيال وجرح جنود أمريكيين وعراقيين، كان اختبارا حقيقيا للإدارة الأمريكية ومدى تمسكها بعدم الرد عسكريا على إيران، آخذين بالاعتبار العوامل الأمريكية المؤثرة في صناعة القرار، وعلى رأسها دخول العام الانتخابي واشتداد الصراع مع الديموقراطيين خاصة في الكونغرس.
ولم تقرأ إيران على الأرجح إرسال واشنطن لجنود إلى عدة أماكن في المنطقة، خاصة بعد استهداف منشأتي بقيق وهجرة خريص، كخطوة استعداد لرد عسكري ورفع لحالة اليقظة نحو التحركات الإيرانية في المنطقة، وهو ما كررته بإرسال جنود إلى السفارة الأمريكية بعد أن اقتحم ساحتها عناصر الحشد الشعبي، ردا على قصف واشنطن لقواعد حزب الله في القائم على الحدود مع سوريا.
وتبدو عملية تصفية قاسم سليماني مفيدة للرئيس ترمب في مواجهاته الانتخابية، أولاً كونه انتقاماً لاغتيال مواطن أمريكي، والأمر الآخر لأنه استبق عملية تستهدف مواقع أمريكية في العراق والمنطقة كان يخطط لها سليماني، وذلك بحسب وزير الخارجية مايك بومبيو، كما أنه أوصل رسالة واضحة بأن الوجود الإيراني اليوم في العراق لا يتعامل مع إدارة أوباما أو حتى بوش الابن.
إيران التي استنتجت أن التصعيد العسكري هو البديل الوحيد عن اجتراع السم والتسليم لشروط بومبيو، رداً على العقوبات الاقتصادية الخانقة، والتي تجاوز أثرها الداخل الإيراني، وبدأت توجع الميليشات التابعة لإيران في سوريا ولبنان واليمن، أصبح العراق مسرحاً أوحد للصراع بين الطرفين.
فإيران رغم تصعيدها ضد أهداف أمريكية في العراق أو أهداف خليجية وناقلات نفط، إلا أنها حرصت حرصاً شديداً على عدم التصعيد ضد إسرائيل، وبالتالي يعد الملعبان السوري واللبناني وكذلك الغزاوي مستبعداً من المواجهة، أولاً لأنها جربت إسرائيل منذ ثورة سوريا، ثانياً لأن استهداف إسرائيل من سوريا محكوم أيضاً بالرضا الروسي.
خسارة العراق هي سقوط لكل مشروع التمدد الإيراني، وهو ليس محكوماً بالدرجة الأولى بصراعها مع واشنطن، ولكن بثبات المتظاهرين منذ أكتوبر الماضي أمام آلة القتل الإيرانية.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2004007
6 يناير 2020
اترك تعليقاً