إن كان من درس واحد تعلمته إيران من حرب السنوات الثماني مع صدام حسين، هو أن تماسك البيت الإيراني يستلزم مد السجادة الإيرانية لجغرافيا خارجية، ومن هذا سعت للتمدد في لبنان منذ الثمانينات وفي سوريا خاصة في مرحلة بشار الأسد، حيث كان حافظ الأسد حليفاً لطهران أما بشار فاختار التبعية المطلقة.

من جانب آخر كان هناك إدراك لأهمية التدخل في الملف الفلسطيني، لأن تهديد إسرائيل سيجلب الاهتمام الغربي بإيران، وقد بدأ التدخل في الملف الفلسطيني بعد كامب ديفيد، عبر خلق تيارات من الإخوان المسلمين تحت وهم تيارات المقاومة.

وكان لافتاً في لبنان وفي فلسطين عدم اعتمادية إيران على نصف حلفاء، بل اعتمدت أذرعاً تابعة بشكل كامل، حيث لم تكتفِ بعلاقتها بأمل بل أوجدت حزب الله، ولم تكتفِ بعلاقتها بحركة فتح بل تحالفت مع حماس والجهاد الإسلامي، وعلى سبيل المزايدة في القضية الفلسطينية، شكلت فيلق القدس الذي يديره قاسم سليماني، والمعني بتصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربية.

ما يحصل منذ أكتوبر الماضي في كل من العراق ولبنان، تراه إيران تحدياً لنفوذها في هذه الدول، وبالتالي ترى أن أي تنازل سياسي في أي من البلدين سيمثل تراجعاً في نفوذها، في لبنان لم تكن استقالة الرئيس الحريري توافق هوى حزب الله، وأي حكومة تكنوقراط ستمثل وهن لعهد حزب الله، وبالتالي ستمثل نفوذاً أكبر لخصوم الحزب.

وإن كانت طهران لن تقبل بحكومة غير سياسية في لبنان، فانتخابات نيابية مبكرة أو انتخابات رئاسية مبكرة أمران مرفوضان بشكل أكبر، حيث من الواضح خاصة بعد انضمام الطلبة للمظاهرات، أن أي انتخابات نيابية حتى لو جرت بالقانون الحالي، لن تمنح حزب الله الأكثرية.

انتفاض الحاضنة الشيعية في كل من البلدين، مؤشر خطير بالنسبة لأذرع إيران، وهو عامل تأثر بشكل كبير بالعقوبات الأمريكية وقدرة إيران على التمويل، خاصة في لبنان، لكنها وفي العراق تحديداً، تمنع سقوط حكومة عبدالمهدي، وتفعل ما في وسعها لمنع مقتدى الصدر تيار «سائرون» من إسقاط عبدالمهدي.

وترى أن طريقة التعامل مع المتظاهرين يجب أن تكون بالطريقة التي تعاملت بها مع الثورة الخضراء قبل عشر سنوات، من قطع للإنترنت وإطلاق الرصاص الحي لإرهاب المحتجين، حيث يعتبر النظام في طهران أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإبقاء السجادة ممتدة إلى البحر المتوسط، خاصة أن العراق كنافذة رئيسية للتنفس من خناق العقوبات، يعتبر التفريط به بمثابة الموت السريع.

لم تكن إيران تفكر على الإطلاق في الجلوس على طاولة مفاوضات مع الأمريكان، من أجل توقيع اتفاق نووي جديد قبل الانتخابات الرئاسية، وكانت تمارس كما قال الرئيس روحاني «الصبر الإستراتيجي»، رغم أن العقوبات غير مسبوقة في قوتها وتأثيرها، وكانت العقوبات التي أقرت في سبتمبر الماضي على البنك المركزي الإيراني الأكثر إيلاماً.

في اليمن أيضا تنظر إيران للاتفاق بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي بحذر، وتخشى من أن يكون توحد القوات طريقاً لتحرير المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وبالتالي تسقط من يد إيران ورقة اليمن التي كانت تبتز بها الأوروبيين قبل خروج واشنطن من الاتفاق النووي.

إذا كانت العقوبات أثرت في الأذرع الإيرانية، لدرجة طلب حسن نصرالله تبرعات من جمهوره، في خطاب قبل أشهر، فبالتأكيد أن التأثير على الداخل الإيراني أكبر، وقد يؤدي إلى احتجاجات داخل إيران، خاصة أن الاحتجاجات السابقة ركزت على الاعتراض على تمويل معركة سوريا وباقي الأذرع وإهمال الداخل اقتصادياً.

لا يريد المرشد الأعلى تجرع السم مجدداً، والرضوخ لشروط مايك بومبيو، لكن البديل الآخر هو الموت اختناقاً خلال العام المقبل، حيث إن الصبر لمدة عام بانتظار الانتخابات الرئاسية يبدو بعيداً جداً مع كل هذه الاستحقاقات داخلياً وعلى امتداد السجادة الخارجية.

صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/article/1755569/
11 نوفمبر 2019


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *