حكاية الأغنية السعودية لا يمكن أن تحكى، دون أن يُذكر الأمير بدر بن عبدالمحسن، الذي كتب اللون الدارج من القصيدة النبطية، وكتب لونه الجديد والمختلف، فكان يرفض السور حينا، ويدخل من الباب في أحيان أخرى.
وقد كان تطوير الأدب والشعر تحديدا عند بعض المنتمين للتيار الحداثي في المملكة يُفهم على أنه انقطاع عن الموروث، رغم أن التطوير الحقيقي لا يتم بالانقطاع عن الجذور.
وفي مسيرة البدر رسم حروفا جديدة، واستخدم ريشة الرسام بموازاة قلم الشاعر، حيث كان الثابت الوحيد في مسيرته «الإدهاش»، وهو إدهاش ممزوج ببساطة صعبة، فليس الإبداع بخلق نص معقد، بل الإبداع بخلق نص كالماء تحسبه سهلا ويستعصي الإمساك به إلا بأنامل البدر.
وفي مجال الإبداع كثيرا ما مر بنا مبدعون، كان إبداعهم ومضة كعود الكبريت سرعان ما تنطفئ، لكن الاستمرارية هي تحد كبير للمبدع، يمثله ندرة من المبدعين، أمثال محمد عبده وغازي القصيبي رحمه الله، والأمير بدر بن عبدالمحسن.
وفي ليلة استثنائية في تاريخ الثقافة السعودية، وهي ليلة إطلاق إستراتيجية وزارة الثقافة السعودية، اجتمع البدر ومحمد عبده مجددا، كما اجتمعا خلال العقود الخمسة الماضية، فغنى محمد من كلمات البدر «تالي نهار وعاتق الشمس مذبوح».
ولأنه لقاء متجدد بين حرف الوطن وصوت الوطن، فقد كان لزاما أن تكون أغنية وطنية، وهي «من يحب الوطن مثلي يقوم»، ولأنه البدر الساكن فوق هام السحب، فقد قال فيها «ويركز البيرق بعالي النجوم.. وينتخي بالحطيم ومسجده».
في أغاني هذا الحفل أكد البدر برؤيته الموسيقية، على الامتداد بين الأجيال في الأغنية السعودية، بين جيل محمد عبده وجيل راشد الفارس والجيل الجديد، فالإبداع وصل لا انقطاع.
وكما مثل البدر صدمة للكثيرين في عقود مضت، بخلق صور غير معهودة، مضيفا للقاموس معاني جديدة، عبر أغاني مثل «ارفض المسافة.. والسور.. والباب والحارس»، مما مثل الموجة الأولى لتطوير الأغنية السعودية.
عاد البدر في 27 مارس الماضي، ليؤسس للموجة الثانية لتطوير الأغنية السعودية، حيث نسخ خيوط الوصل بين الدحة والسامري والينبعاوي والخبيتي من جهة، وبين الفالس والبيتز وغيرها كإيقاعات غربية من جهة أخرى.
كان العمل ترجمة للإيقاعات السعودية لتصافح إيقاعات غربية، وهو تواصل مع العالم ونافذة جديدة للأغنية السعودية، لتعود الأغنية كإحدى أدوات القوة الناعمة السعودية كما كانت في السبعينات.
ولكنها اليوم لا تسعى لتخاطب المحيط العربي فقط، بل تمتد للعالم كلغة موازية للغة الاقتصاد والسياسة التي تمثلها المملكة كتاسع دولة في التأثير عالميا حسب مؤشر التقدم الصادر من Report World & News. S.U.
ختاما، يبدو أن البدر لم يكتف بتجديد الشعر والأغنية.. بل جدد التحية بين السعوديين «عوافي»..
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/article/1716123/
الاثنين 1 أبريل 2019
اترك تعليقاً