خلال زيارة سمو ولي العهد لباريس في شهر أبريل الماضي، قال ممازحا الحاضرين خلال العشاء: قبل أيام قليلة كنت في تكساس، التقيت الرئيس الأمريكي الأسبق بوش وابنه، وعلما أنني آت إلى باريس، فأعطياني «البربيكيو سوس» أو (صلصة الشواء)، قائلين: «يمكنك استعمالها إن لم يعجبك الطعام».
بالطبع الموضوع يتجاوز المداعبة الصرفة إلى رسائل سياسية واضحة، وفي نفس اللقاء لم يتردد الأمر في الإجابة عن سؤال ظنت الصحفية أنه سؤال محرج، حين قالت هل ستأتي يا سمو الأمير بصحبة زوجتك في الزيارة القادمة لباريس، وأذكر أن الرئيس الفرنسي لمعت عيناه وهو يستمع للسؤال، قبل أن يأتي الجواب الذكي والبسيط، بأن زوجة الأمير وأبناءه يرغبون في العيش بطريقة طبيعية بعيدا عن أضواء الإعلام وضجيج السياسة.
وخلال نفس الزيارة التي شملت الولايات المتحدة وبريطانيا، قال سموه واصفا المرشد الأعلى خامنئي: «إن خامنئي يريد إقامة مشروع شرق أوسطي خاص به مثلما أراد هتلر التوسع في زمنه. لم يدرك العديد من الدول في العالم وفي أوروبا إلى أي مدى كان هتلر خطيراً إلى أن حدث ما حدث. لا أريد أن يحدث الأمر نفسه في الشرق الأوسط».
ولم يتوقع كثير من الصحفيين خاصة الأوروبيين أن يصدر تصريح بهذه القوة، خاصة أن الأوروبيين يسعون دائما لتناسي ذكرى هتلر وما تمثله حقبة الحروب من ذكريات سيئة، ولهذا حين دعم الأمير روايته عن هتلر بقصة تاريخية وذكرهم بمعاهدة ميونخ (سبتمبر 1938) بين ألمانيا النازية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وافقت فيها هذه الدول على ما تذرع به هتلر بزعم حماية الألمان في المناطق الحدودية الفاصلة بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا، الأمر الذي سمح له لاحقا باجتياح دول أوروبية أخرى.
وكان هذا أقوى رد على العمل الإعلامي الإيراني في أوروبا والذي اراد اختزال مشكلة الاتفاق النووي في السلاح النووي، وتجاهل تطوير الصواريخ البالستية ودعم الميليشيات في الدول العربية.
هذا النسق في لقاءات الأمير محمد، والذي يحمل سمات الدقة والمباشرة والوعي بالتاريخ وفهم الجمهور المستهدف، نستذكره اليوم بعد لقاء الأمير مع بلومبيرغ، والذي تبع تصريحات الرئيس ترمب عن عجز المملكة عن حماية نفسها من دون أمريكا.
ومنذ تولي الرئيس ترمب سدة الحكم، والتحسن الكبير في العلاقات السعودية الأمريكية، والذي أفضى إلى أن يكون الأمير محمد أول مسؤول عربي يلتقيه في البيت الأبيض، ثم اختيار الرياض وبشكل غير مسبوق كوجهة أولى، وأصحاب الأجندات المناهضة للمملكة يعيشون أسوأ لحظاتهم، ينطبق هذا على إيران وقطر والإخوان المسلمين.
وقد استبشروا خيرا بتصريحات ترمب واعتبروها فرصة لتدهور العلاقات بين البلدين، تماما كما كان يفكر صديقهم أسامة بن لادن، حين اعتقد أن زيادة عدد السعوديين في أحداث سبتمبر، سيسهم في قطع العلاقات بين البلدين.

ولكن السياسة السعودية حكيمة ولا تتبنى خطابا عاطفيا، لذا تحدث الأمير عن العلاقات السعودية الأمريكية الراسخة، على مستوى المؤسسات وعلى المستوى الرسمي والشعبي معاً، وذكر الأمير بعمق الدولة السعودية والذي يسبق حتى تاريخ الولايات المتحدة.
وأكد على أن المملكة تشتري السلاح بأموالها، ولا تشتري الحماية من أحد، ولعل الأمثلة في منطقتنا معروفة عن من يجلبون الجيوش والمرتزقة لحماية قصورهم، قصور المبنى وقصور السيادة.
العلاقات السعودية الأمريكية لم تكن بأفضل أحوالها في فترتي أوباما، وإن كان حديثه منمقا، بل عملت إدارته في أكثر من ملف لزعزعة الأمن العربي، والإضرار بالمصالح السعودية بالنتيجة، حدث هذا في البحرين وسورية ومصر، وساهم ذلك في ظهور داعش، عبر السماح لإيران بالتمدد الطائفي، ونذكر ممارسات المالكي في المناطق السنية، وكذلك عبر سحب القوات الأمريكية في العراق.
ختاما، ما يجب أن يقلق خصوم المملكة أكثر من ما قاله الأمير محمد في لقائه، هو هذا الحب والتفاعل مع كلماته من الشعب السعودي، هذا الحب في صورة من صوره هو إيمان بمشروع الأمير ورؤيته.

صحيفة عكاظ

الاثنين 8 أكتوبر 2018


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *