فِيْ اِستعرَاضٍ لِلقُوَّةِ استهدَفَتْ إِيرَانُ اِجتماعَ قِيادةِ «الحزبِ الدِّيمقراطيِّ الكرديِّ الإيرانِيِّ» في كردسْتَانِ العِراقِ، مستخدمةً صواريخَ “فاتحَ-110” الَّتيْ يبلغُ مداهَا 300 كلم، واستهدافُ النِّظامِ الإيرانِيِّ للأكرادِ ليسَ جديداً، بلْ هوَ عملٌ روتينيٌّ يقومُ بهِ الحرسُ الثَّوريُّ معَ أيِّ معارضةٍ محتمَلةٍ خاصّةً منَ الإثْنيَّاتِ الغيرِ فارسيَّةٍ.
ولكنَّ هذَا الاِستهدافُ يزيدُ عنْ كونِهِ عملاً روتينيَّاً، إلَى كونِهِ يحملُ علَى ظهرِهِ عِدَّةَ رسائلَ، ودائماً الرِّسالةُ الرَّئيسيَّةُ مِنْ كلِّ مَا تقومُ بهِ طهرانُ يكونُ متوجِّهاً للبيتِ الأبيضِ، خاصةً والوقتُ يمضِيْ سريعاً نحوَ العقوباتِ الأكثرَ إيلاماً فِي تاريخِ إيرانَ والَّتيْ ستأخذُ حيِّزَ التنفيذِ نوفمبرَ المقبلَ، وآثارُهَا سبقتْهَا حيثُ انخفَضَتْ صادراتُ إيرانَ منَ النِّفطِ بمعدَّلِ 40%، وبشكلٍ يتجاوزُ ما توقَّعَتْهُ واشنطُنْ.
لكنْ إحدَى أهمِّ الرَّسائلِ كانَتْ أنَّ العراقَ منطقةُ نفوذٍ إيرانيَّةٍ، وأنَّهُ يجبُ علَى العراقيَّينَ أنْ لَا تُلهِيهِمُ المناظِرُ الجَميلَةُ للاِنتخابَاتِ البَرْلمانيَّةِ، ونجاحُ العديدِ منَ الزُّعماءِ الغيرِ مواليْنَ لطهرانَ، وهيَ موجَّهةٌ بشكلٍ رئيسيٍّ للصَّوتِ الكُرديِّ الَّذيْ بَدَى مُزعِجَاً لطهرانَ، خاصةً بعدَ المكالمةِ الهاتفيَّةِ الَّتيْ أَجراهَا وزيرُ الخارجيَّةِ الأمريكيِّ مَايكْ مومبيُو معَ الرَّئيسِ السَّابقِ لِـ «حُكومةِ إِقليمِ كُردستانَ» وزعيمِ «الحزبِ الدِّيمقراطيِّ الكُردستانيِّ» مسعودْ بارزانِي فِي 30 أغسطسَ ، وهوَ أوَّلُ تواصلٍ أمريكيٍّ كرديٍّ-عراقيٍّ معلنٍ منذُ الاِستفتاءِ عَلى الاِستقلالِ سبتمبرَ 2017.
لكنَّ السَّعيَ إِلَى اِستعادةِ الهيبةِ عبرَ الهَجمةِ الصَّارُوخيَّةِ عَلَى كُردسْتانَ، هوَ مؤشِّرٌ لِغيابِ الهيبةِ، وهيَ مَا لَمْ تحقِّقُهُ نتائجُ الانتخَابَاتِ فقطْ، بلْ أسهمَ فيهِ اِعتداءُ المتظاهريْنَ العِرَاقيِّينَ عَلَى قُنصليَّةِ إيرانَ فِي البصرَةِ، المدينةِ ذاتِ الغالبيَّةِ الشِّيعيَّةِ، والَّذي طَالمَا ردَّدُوا شعاراتٍ مندِّدةٍ بطهرانَ.
الهيبةُ الإيرانيَّةُ كذلكَ تمرَّغَتْ بالتُّرابِ عَلَى الأراضِي السُّوريَّةِ، بلْ إنَّ المعركةَ فِي سوريَا تُعَدُّ هزيمةً لإيرانَ ولَوْ انتصرَتْ، لأنَّ معركةَ سوريَا هيَ المرَّةَ الأولَى الَّتِي يَضطرُّ الجُنودُ الإيرانيِّينَ فِي حربٍ منذُ نهايةِ الحربِ العراقيَّةِ الإيرانيَّةِ، وإتقانِ إيرانَ للعبةِ الحربِ بالوكالةِ، عبرَ ميليشياتٍ شيعيَّةٍ عربيَّةٍ وباكستانيَّةٍ وأفغانيَّةٍ.
فالحفرةُ السُّوريَةُ ابتلعَتْ جيشَ النِّظامِ ثمَّ حزبَ اللهِ وباقِي الميليشياتِ المواليةِ لإيرانَ ثمَّ الحرسِ الثوريِّ، وخلالَ الفترةِ الماضيةِ أكملَتْ إسرائيلُ مسلسلَ إهانةِ إيرانَ، عبرَ مئاتٍ منْ رحلاتِ الصَّيدِ الَّتِي تقومُ بِهَا الطَّائراتُ الإسرائيليَّةُ لأهدافَ إيرانيَّةٍ علَى الأراضِي السُّوريَةِ بالإِضافَةِ لآلافِ القياداتِ والجنودِ منَ الحرسِ الثَّوريِّ.
الأسوأُ مِنْ هذَا كلِّهِ أنْ يضربَ الحرسُ الثَّوريُّ علَى أرضِهِ وبينَ جماهيرِهِ، عبرَ الاِعتداءِ علَى حفلِ الحرسِ الثَّوريِّ فِي الأحوازِ، والَّذِي هزَّ هيبةَ النِّظامِ الأمنيَّةَ، ونعرفُ كيفَ أدَّى اِهتزازُ هيبةِ الأمنِ إلَى تهاوِي الأنظِمَةِ فِي عدَّةِ أمثلةٍ عربيَّةٍ.
الحفلُ يتمُّ بالتَّزامنِ فِي عدَّةِ مدنٍ إيرانيَّةٍ بذكرَى حربِ الثَّمانِ سنواتٍ مَعَ صدَّامَ، الرَّئيسُ روحانِي غادَرَ مباشرةً مقرَّ الحفلِ فِي طهرانَ بمجرَّدِ معرفتِهِ بِمَا حصَلَ فِي الأحوازِ، ممَّا يعنِي خشيَتَهُ أَنْ يكونَ هجوماً متزامناً فِي عدَّةِ مدنٍ.
النِّظامُ الإيرانيُّ استغلَّ هذِهِ الفرصَةَ لقمعِ التَّظاهراتِ وتعزيزِ القوميَّةِ الفارسيَّةِ، بالتَّركيزِ علَى فكرةِ العدوانِ منَ الخارجِ، وفكرةِ الاِعتداءِ “العربيِّ” علَى فارسَ، وهوَ مَا تعكسُهُ الأحوازُ والتَّلميحاتُ الإيرانيَّةُ عَنْ مسؤوليَّةِ دولٍ خليجيَّةٍ عَنِ العمليَّةِ.
النِّظامُ الإيرانِيُّ يعرفُ أنَّهُ توجَّهَ للاِتِّفاقِ النَّوويِّ فِي 2015 مضطرَّاً، بَلْ كانَ هذَا الحلُّ الوحيدُ لإنقاذِ مَا يُمكنُ إنقاذُهُ مِنَ الاقتصادِ الإيرانيِّ، فعندمَا تَسلَّمَ الرَّئيسُ الحاليُّ حسَن روحَانِي الحكمَ فِي عامَ 2013 كانَتْ مؤشِّراتُ الأداءِ الاقتصاديِّ بمعدَّلِ نموٍّ حقيقيٍّ سلبيٍّ (0.3-%) ومعدَّلَ تضخُّمٍ 35%.
ويدركُ النِّظامُ اليومَ وبكلِّ وضوحٍ أنَّ هدفَ الإدارةِ الأمريكيَّةِ الحاليَّةِ هوَ الوصولُ لاِتِّفاقٍ نوويٍّ جديدٍ، لكنَّهُ اتِّفاقٌ لا يقلِّمُ جميعَ أظافرِ إيرانَ علَى المستوَى النَّوويِّ والصَّاروخيِّ، ويدفعُهَا للتَّراجعِ عَنْ التَّمددِ فِي الدُّولِ العربيَّةِ، إلى مستوياتِ ما قبلِ 2011 علَى أقلِّ تقديرٍ.
الأسوأُ مِن الاِتِّفاقِ معَ ترمبْ، هوَ البقاءُ عدَّةَ أشهرٍ تحتَ سقفِ العقوباتِ، الَّتِي تستهدفُ اِقتصاداً ضعيفاً وفساداً مستشيراً مِنَ الحرسِ الثَّوريِّ، وحينَها ستتحرَّكُ الطَّبقةُ الوسطَى كَمَا فِي 2009، وستتحرَّكُ الكتلةُ الفارسيَّةُ، وهذَا ما مِن شأنِه إسقاطُ النِّظامِ، ويكونُ الموتُ غرقاً أسوأُ منَ الموتِ بالسُّمِّ.
الاثنين 1 أكتوبر 2018
اترك تعليقاً