شهر مايو من هذا العام كان حافلاً بأحداث مترابطة، حيث عقدت الانتخابات النيابية في كل من العراق ولبنان، وحسم الرئيس دونالد ترمب أمره فيما يخص الانسحاب من الاتفاق النووي، مقراً جزءاً من العقوبات في أغسطس، والجزء الآخر في شهر نوفمبر القادم.
الترابط بين الأحداث ما زال مستمراً، حيث تعاقب إيران كلاً من بغداد وبيروت بسبب القرار الأمريكي، حيدر العبادي من جهته اعتبر أنه أنهى فرصته السياسية للبقاء رئيساً للوزراء، خاصة بعدما قال بالتزام العراق بالعقوبات الأمريكية، مع ما للعراق من أهمية في فترة العقوبات السابقة حيث عدت النافذة الرئيسية لدخول الهواء لرئة طهران.
النافذة الأخرى والمهمة لطهران هي الاقتصاد التركي، والذي كان يشتري النفط الإيراني ويخفف من وطأة منع التداول بالدولار، والقيود المفروضة على البنك المركزي الإيراني، لكن الاقتصاد التركي في هذه المرحلة يحتاج معيناً أكثر من كونه قادراً على الإعانة، بعد أن أوهم بعض المستشارين أردوغان بأنه قادر على مساومة واشنطن، باحتجاز القس «أندرو برونسون»، من أجل الضغط لاسترداد «فتح الله غولن».
حيث ما زالت الليرة التركية تهبط لمستويات دنيا، مستعينة بالعقوبات الأمريكية على الصادرات التركية، وبتهديدات يتبادل إطلاقها كل من الرئيس الأمريكي ونائبه ووزير الخارجية، تهدف لتهديد تركيا الحليف في الناتو، بأن تكاليف عدم إطلاق القس ستكون أكبر اقتصادياً، خاصة أن الاقتصاد التركي يشهد أسوأ مراحله منذ تولي الرئيس أردوغان مقاليد الرئاسة المطلقة، ومنح وزارة المالية لزوج ابنته على طريقة جبران باسيل اللبنانية.
في لبنان حيث لا يفرق الكثيرون بين ما يقوله صهر الرئيس جبران باسيل، وبين ما يعتقده الرئيس ميشيل عون، يبدو أن الحكومة القادمة تعتبر فرصة لإيران لتؤكد أن لبنان يبقى هو المكان الأمثل لإبراز قوة أذرع إيران، رغم الصعوبات التي سببتها الجبهة السورية المفتوحة، على قدرة حزب الله في إشعال جبهة جديدة مع إسرائيل، رغم الحديث عن زيادة صواريخ حزب الله عن ما كانت عليه في 2006، لكن الصواريخ العمياء تشعل الحرب ولا تديرها بالكامل.
ولهذا لا تبدو العقد الباسيلية نسبة لجبران باسيل في تشكيل الحكومة، إلا تعبيراً إيرانياً عن ما عده قاسم سليماني كانتصار في لبنان عبر حصول «نوابه» على 74 مقعداً، وفوق العقد الثلاث المسيحية والسنية والدرزية، يبدو أن السعي حثيث من التيار الموالي لإيران عامه للسير على ثلاثة مسارات، الأول دفن كل ما له علاقة بالطائف عبر استحداث مناصب مثل نائب رئيس الوزراء، تطويقاً للمنصب السني بعد أن أثبتت الانتخابات مرة بعد أخرى أن منافسة الحريري متعذرة سنياً.
ولأن هذا الثقل للحريري هو إرث الشهيد رفيق الحريري، فإن المسار الثاني الذي تسعى له طهران هو دفن محاكمة أبو بهاء، والقيام بصلاة الغائب عليه، أما المسار الثالث الذي يستهدفه حلفاء إيران، هو تطبيع العلاقات مع نظام السفاح بشار الأسد، وهو ما هدد به نصر الله الشيخ سعد الحريري، معبراً عن أن المسألة مجرد وقت قبل أن يصبح التطبيع مع النظام السوري واقعاً.

لبنان رغم كل شيء تظل الرئة الأهم للتنفس والتنفيس الإيراني، لكن سورية هي العمود الفقري، حيث خروجها من دائرة النفوذ الإيراني، يعني تقهقر مصالح إيران في كل من العراق ولبنان، بل ويتأثر بذلك بشكل مباشر النفوذ الإيراني في اليمن، كما أن غزة يبدو أنها تخطو خارج دائرة النفوذ الإيراني، بعد أن عقدت حماس اتفاق سلام مع تل أبيب.
اليوم تواجه إيران حرباً اقتصادية، لا تستطيع أن تقاومها بأدوات عسكرية، حتى لو عربدت بأنها ستغلق هذا المضيق أو ذاك، إلا أن الصعوبة الحقيقية التي تعانيها طهران، أن ورقة أذرعها في المنطقة لم تعد أوراق مساومة حين تجلس على الطاولة مع الأمريكان، كما أنها لا تطعم خبزاً للمظاهرات الداخلية التي تستمر منددة بالتدخل الإيراني في أكثر من دولة عربية، وهذا التدخل بعد نوفمبر لن يكون كافياً لتتنفس إيران، خاصة بعد تراجع عدة بلدان عن النفط الإيراني ولو جزئياً وأبرزها الهند.

صحيفة عكاظ

20 أغسطس 2018


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *