حرصت إيران خاصة خلال سنوات الحصار ما قبل الاتفاق النووي في 2015، على تطوير قدراتها البحرية في الوصول إلى عدة سواحل، تسعى من خلالها لتخطي العقوبات، وبالتالي إيصال مواد محظورة دوليا إلى إيران، أو إمداد الأذرع الإيرانية بالأسلحة.
وقد كان على سبيل المثال إغلاق مضيق هرمز أداة تلوح بها طهران خاصة خلال فترة أوباما، لتهدد من خلالها الملاحة البحرية، وإمدادات النفط من داخل الخليج العربي، وفي أبريل 2015 على سبيل المثال قامت قوة إيرانية باحتجاز سفينة الشحن الأمريكية «ميرسك تيجرس» في الخليج واقتادتها إلى ميناء بندر عباس الإيراني.
وفي ديسمبر من العام نفسه أجرت البحرية الإيرانية اختبار إطلاق صاروخ بالقرب من سفن حربية وتجارية أمريكية في مضيق هرمز، وكانت الصواريخ على بعد حوالى 1370 مترا من إحدى القطع البحرية الأمريكية، وكان هذا الاختبار بعد توقيع الاتفاق النووي، والهدف منه على الأرجح الضغط على واشنطن لرفع العقوبات، وإظهار رفض جناح المحافظين في إيران للاتفاق النووي.
بل قامت إيران في 2016 وبعد توقيع الاتفاق النووي أيضا باحتجاز عشرة بحارة أمريكيين كانوا على متن زورقين في مهمة تدريبية في الخليج، وحينها اتصل جون كيري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عقب الحادث، ومن سخرية القدر أن كيري قال حينها إنه حصل على تطمينات بأن البحارة سيفرج عنهم دون إبطاء.
إيران التي تحكمها ذهنية القراصنة استهدفت وجود قواعد لها في مناطق عدة بأفريقيا أبرزها السودان، قبل أن تغلق من قبل الخرطوم في 2015، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية في إرتيريا مكنتها من تقديم الدعم اللوجيستي للحوثيين، وكانت شديدة الحرص على السيطرة على السواحل اللبنانية، بالإضافة لما حققته الأزمة في سوريا من نفاذ أكبر على البحر المتوسط.
ولهذا كان نصب أعين ميليشيات الحوثيين منذ الانقلاب على الشرعية واحتلال صنعاء في 21 سبتمبر 2014، السيطرة على مضيق باب المندب، فإيران ترى أنها بتهديدها بإغلاق مضيق هرمز ومضايقة القطع البحرية الغربية في الخليج العربي، استطاعت الحصول على اتفاق نووي، يعيد لها ملايين الدولارات ويعطيها الضوء الأخضر للتمدد في عدة دول عربية.
وبالتالي لو امتلكت القدرة على إغلاق مضيق باب المندب أيضا، وبالتالي تشكيل خطر على ما يتجاوز 15% من التجارة العالمية التي تمر عبر البحار، فإن العالم سينصاع ويمنحها ما أرادت من نفوذ وتمدد، ولهذا كان نجاح قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي مزعجا لطهران، عبر تحرير مضيق باب المندب، واستمرار تحرير المناطق الساحلية شمالا.
وفي نهاية العام 2016 وخلال الانتخابات الأمريكية، وربما انتظارا لوصول هيلاري كلينتون والتي كان من المتوقع أن تسير على نهج أوباما، بدأت إيران ومن سواحل الحديدة باستهداف الملاحة البحرية، حيث استهدفت المدمرة الأمريكية «يو أس أس ميسون» مرتين متتاليتين، واستهدفت لاحقا قطعا بحرية سعودية وإماراتية، وأخرى تابعة لمنظمات إغاثة وتحمل مساعدات لليمن.
ولهذا نفهم اليوم مقدار الوجع الذي يصيب ميليشيا الحوثيين مع اقتراب استعادة الحديدة بالكامل من قبل الشرعية، والذي سبقته الصدمة القوية باقتناص الرجل الثاني في الجماعة والعقل السياسي لها صالح الصماد، حتى إن الحوثيين بدأوا في رمي منشورات على مناصريهم لدعوتهم للثبات في المعركة، وأن تركهم لساحة المعركة في الحديدة هو إلقاء لأنفسهم في نار جهنم.
لكن يبدو أن الكثير من العناصر التابعه للحوثيين والتي يئست من معركة الحوثيين، تفضل اليوم الذهاب للنار التي يزعمها الحوثيون لمخالفيهم، على البقاء للقتال في صفوف الحوثيين.
واللافت أن إيران مع هذه الخسائر المتتالية وهذا الضغط الاقتصادي الذي مثله خروج واشنطن من الاتفاق النووي، ثم الضغط العسكري والسياسي الذي مثلته روسيا وإسرائيل على القوات الإيرانية للخروج من سوريا، أوضحت للأوروبيين أنها مستعدة لدفع الحوثيين لحل سياسي في اليمن من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي أو ما تبقى منه.
الحوثيون أنفسهم بدأوا يطرحون تنازلات من شاكلة قبولهم بإدارة ميناء الحديدة من قبل الأمم المتحدة، الأمر الذي كانوا يرفضونه تماما قبل أشهر، وما هذا الإقبال من الإيرانيين وذراعهم الحوثي على الحل السياسي اليوم، إلا دليل الخسائر العسكرية، ويستهدف حماية ما تبقى من مكاسب، والسعي لالتقاط الأنفاس.
وإذا ما لوح الحوثيون بجديتهم في الحل السياسي، فهو الوقت المثالي للحسم العسكري، ودوما سأردد «لا بد من صنعاء».

صحيفة عكاظ

https://www.okaz.com.sa/article/1646439/

الاثنين 04 يونيو 2018


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *