رغم أن كوريا الشمالية تعتبر بقعة أكثر إظلاما من إيران، حيث إنها دولة لا تعرف الشبكات الاجتماعية ولا القنوات الفضائية، لكن الزعيم الشاب كان من الوعي بمكان أن أدرك أن السلاح النووي كسلاح ردع، مسألة من التاريخ، كما أنها لا تطعم الشعب خبزاً في نهاية اليوم.
ومن سمات القيادة التعامل مع الضغوط وتقدير المخاطر، وبالتالي القيام بردات فعل مناسبة بما يحفظ المصالح، فرئيس كوريا الشمالية يسمع التهديدات منذ أن كان أوباما ساكنا للبيت الأبيض، لكنه تحرك عندما تغيرت وجهة النظر الصينية، حيث يعتمد اقتصادياً على الصين بنسبة 90%، هذا بالإضافة لإدراكه للتغير الحاصل في السياسة الخارجية الأمريكية للإدارة الحالية.
لا أعرف حقيقة إن كان العمر وحده هو العامل المؤثر على سرعة الاستجابة، وبالتالي يكون كبر سن المرشد الإيراني هو سبب ضعف الإدراك للمتغيرات الدولية، وهذا حديث تكرر إبان الربيع العربي حين قيل إن مبارك كان متأخراً في التجاوب لكبر سنه، لكن هذا الأمر تنقضه حماقة التعاطي من لدن بشار الأسد رغم صغر سنه.
لكني أميل إلى أن ذهنية النظام الإيراني والزمرة الحاكمة هي التي تعاني من شيخوخة، هذه الشيخوخة لا تتناسب مع المتغيرات السريعة في زمن السوشيال ميديا، وهناك عدة عوامل تمنع النظام الإيراني من التجاوب الإيجابي والحد من التدخل في الشؤون العربية، أو تقديم ما يحفظ مكتسبات طهران من الاتفاق النووي.
أول هذه العوامل أن إيران تجيد حياكة السجاد والعمل بشكل إستراتيجي، وعلى الجانب الآخر لأن النظام مترهل فهو لا يملك لياقة التجاوب بشكل سريع، وبالتالي فالفشل سمة إيرانية على المستوى التكتيكي، الأمر الآخر أن الزهو الإيراني في التمدد داخل دول عربية، يجعلهم يتعاملون مع هذه المكاسب كمقدرات لا يمكن التفريط بها، ومن حسن الحظ أن الروس لم يعلموهم أن التراجع أحياناً على رقعة الشطرنج تكون لمصلحة الملك.
الأمر الآخر الذي يستند إليه الإيرانيون كإستراتيجية مع الغرب لتحقيق مصالحهم، هي إستراتيجية «القدرة على الأذى»، وبالتالي سأضر بمصالح أمريكية وإسرائيلية وغربية، مما يجعل الغرب مضطراً للجلوس معي على طاولة الحوار، حتى وإن بشكل سري.
لكن دائرة قدرة إيران على الضرر اليوم مختلفة، حيث إنها حملت هذه الرسالة على صواريخ باليستية نحو الرياض، تزامناً مع وصول الرئيس ترمب للرياض في زيارته الخارجية الأولى، واستمرت في ذلك خلال زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، حيث إنها كانت تعي أن الملف النووي كان على طاولة النقاش.
وإذا وسعنا دائرة الضرر إلى الملعب السوري، فإن إيران أجبن من أن تستهدف المواقع الأمريكية شرق الفرات، أما استهداف إسرائيل فهي فرصة سانحة للإسرائيليين، لقصف المزيد من مواقع الحرس الثوري في سورية دون حرج من الروس، أما الملعب اللبناني فلم يعد حزب الله في وارد الدخول في حرب مع إسرائيل، والنزاع السوري ما زال مستمرا مما يعني أن ظهرهم غير محمي كما في 2006.
أما في اليمن فإن الإعلان عن تحرير ميدي، ثم القضاء على صالح الصماد في الحديدة، والذي يعد الحاكم السياسي للحوثيين، يعني أن اليمن ورقة تضعف في يد المفاوض الإيراني، وإذا ما حررت الحديدة، فسيكون الحوثيون في غرفة بلا نوافذ، ولها باب واحد للحل السياسي الذي لا يعطيها أي حظوة عسكرية على باقي الأطراف اليمنية.
كان هناك رهان كبير من الإيرانيين أن تكون المصالح الأوروبية كفيلة بضغط فرنسي ألماني على واشنطن للإبقاء على الاتفاق النووي، والحماقة الأولى التي يستند إليها هذا الرهان أن مصالح أوروبا الاقتصادية مع الولايات المتحدة لا تقارن بمصالحها مع إيران، كما أن تأثيرات البريكست والعلاقات السيئة بين أوروبا وروسيا، يدفع الأوروبيين للبحث عن دعم أمريكي أكبر عوضاً عن تحدي أمريكا من أجل إيران.

ختاماً ، إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كما أعتقد، فإن العقوبات ستصبح أكثر وقعاً على النظام الإيراني، لأن الشعب احتفل قبل 3 سنوات بما عُد منجزاً، لكنه في الحقيقة لم يلمس أي تغيير، كما أن الشعب خرج بالفعل للشوارع العام الماضي ضد الأوضاع المعيشية والفساد الذي ينخر الحرس الثوري، بل في طهران ومشهد وغيرهما كان من أبرز الشعارات «لا للبنان ولا لغزة.. نعم لإيران».

صحيفة عكاظ

https://www.okaz.com.sa/article/1636978/

الاثنين 30 أبريل 2018


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *