اختار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قاهرة المعز لتكون وجهته الأولى منذ توليه ولاية العهد، مؤكدا هذا الإرث التاريخي الثابت لحكام السعودية، فالملك المؤسس عبدالعزيز كانت زيارته الأولى الخارجية لمصر، وكذلك فعل الملك سلمان حيث كانت زيارته الخارجية الأولى لشرم الشيخ لحضور القمة العربية.
وهنا تعبر المملكة عن ثوابت في السياسية الخارجية السعودية على مستوى التزامها بعلاقاتها مع حلفائها، على المستوى العربي والإسلامي، وعلى المستوى الدولي ثانيا، ولذا تأتي لندن كمحطة ثانية في زيارات ولي العهد، والتي تعود العلاقات معها أيضا لمرحلة التأسيس، حيث اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز ورئيس الوزراء تشرشل.
تأتي أهمية توقيت زيارة ولي العهد لبريطانيا على أكثر من مستوى، حيث يمثل تراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتوازي التمدد الروسي في سورية وبدرجة أقل في العراق وليبيا، إلى دافع لبريطانيا وفرنسا أيضا، للحفاظ على مصالحهم في هذه المنطقة.
كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي الاقتصاد الخامس عالميا والثاني أوروبيا بعد ألمانيا، يحرر بريطانيا من قيود الاتحاد الأوروبي، لكنه يفتح أيضا الآفاق لفرص اقتصادية واعدة، تلتقي هذه الفرص مع عدة مشاريع ضمن رؤية 2030، والتي تهدف لتطوير القدرة الصناعية للمملكة، والاستفادة من موقعها الجغرافي، مع توطين التقنية ونقل المعرفة دعما للمحتوى المحلي.
حاولت قطر فعل كل شيء لإلغاء أو تشويه هذه الزيارة، وربما الحسنة الوحيدة من مقاطعة قطر إجبارها على لعب أوراقها فوق الطاولة، والكشف يوما بعد يوم عن أنها تقف خلف كل من ادعى أنه معارض، وأن النضال الكبير قد يختصر أحيانا بثلاثمائة باوند، من أجل أن تقف أمام مقر رئاسة الوزراء في 10 داوننق ستريت، لتهتف ضد ولي العهد السعودي.
تناول الطرفان عدة قضايا خارجية، تقترب وجهة النظر بين البلدين كثيرا فيها، وفي الملف اليمني حيث وجهة النظر البريطانية كانت تطالب بأن يسمح بدخول المساعدات الإنسانية عبر ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وهو ما تقبل به المملكة شريطة أن تفعل الإجراءات الرقابية لضمان عدم دخول الأسلحة للحوثيين، وهو ما ينص عليه البند 14 من قرار مجلس الأمن 2216، والأمر الآخر أن يكون هناك ضغط سياسي على الحوثيين يضمن وصول المساعدات إلى الشعب اليمني، فما فائدة دخول المساعدات إن كان الحوثي سيبقيها لأنصاره ويحرم الشعب اليمن منها.
بريطانيا على جانب آخر أبدت تفهما لما تمثله الصواريخ الباليستية من خطر على المدنيين في السعودية، ودعمت موقف المملكة في دعم الحكومة الشرعية في اليمن، وما تمثله الممارسات الحوثية وعلى رأسها زرع الألغام، من خطر على الملاحة البحرية.
مارتن جريفيث الدبلوماسي البريطاني العريق يبدأ مهمته كمبعوث أممي إلى اليمن، وهو ما قد يسهم في الدفع نحو حل سياسي، علما بأن لندن والرياض عبرتا أكثر من مرة عن أن الحل السياسي في اليمن يجب أن يعتمد على المرجعيات الثلاث، المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216.
المملكتان عبرتا عن توافق في الرأي حول القضية السورية والفلسطينية، حيث يعتبر البلدان أن الحل لقضية السلام لا يتحقق، دون إعلان دولة فلسطينية على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية، ويرى الطرفان أن المرجعية للحل السياسي في سورية يجب أن تكون جنيف 1.
لندن مركز ثقل اقتصادي وسياسي وإعلامي، وقبيل زيارة الأمير وحتى مغادرته، كانت السعودية الجديدة هي حديث الجميع، السعودية الشريك الموثوق في استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب، الوطن الذي يملك رؤية واعدة تخلق فرصا استثمارية مشتركة، والدولة القوية التي تحركت عسكريا وسياسيا لدعم استقرار العالم العربي حين آتته هزات الربيع.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/article/1622792/
الاثنين 12 مارس 2018
اترك تعليقاً