بالصدفة وجدت على أحد رفوف مكتبي، الكتيب المصاحب لمعرض المملكة العربية السعودية بين الأمس واليوم، والذي اقيم في القاهرة في العام 1987، وقد جال قبلها وبعدها في عدة مدن، حيث أقيم لأول مرة في مدينة كولون الألمانية، وانتقل بعدها إلى شتوتجارت ثم هامبورغ، وتابع رحلته التي استمرت لسبع سنوات بين مدن عربية وأوروبية.
حينها كانت الصورة الذهنية عن المملكة، تختزل في ثلاثة أمور؛ الكعبة والصحراء والنفط، وتغيرت تلك الصورة عند أغلب من حضروا هذا المعرض، هذا بحسب اللقاءات الصحفية التي أجريت مع بعض الزوار الغربيين للمعرض آنذاك.
اليوم ما زالت المملكة هي مركز العالم الإسلامي، ودولة عربية مهمة، ودولة إقليمية مؤثرة في الشرق الأوسط، لكنها بالإضافة إلى ذلك تتبوأ المملكة اليوم مكانة اقتصادية مهمة، ضمن مجموعة العشرين G20، والتي من المفترض أن تستضيف قمة العشرين في العام 2020.
كما أن السعودية بنت قوة عسكرية تتناسب مع حجمها وتأثيرها، وتعمل على تطوير منظومتها العسكرية، وتنويع سلة أسلحتها، كما يظهر معرض أفد المقام حاليا في الرياض، التطور الذي بلغته الصناعات العسكرية السعودية، على مستوى نقل المعرفة وتوطين الصناعة بأيد سعودية.
لكن الجميل أيضا أنها تقوم بوثبات كبيرة في تغيير نمط الحياة، وأصبح هناك العديد من البرامج الترفيهية، والمشاريع الطموحة كنيوم والقدية والبحر الأحمر، مما يزيد ارتباط الناس واستمتاعهم داخل بلدهم، بعد أن عاش جيل يعتبر بوابة المطار هي أجمل مناطق المدينة.
بالتوازي مع كل هذه الأمور، تأتي أهمية القوة الناعمة السعودية، من دراما وموسيقى وثقافة، والثقافة هنا لا أختصرها في المنتج الثقافي، بل يتعدى ذلك إلى تسويق المأكولات والملبوسات، ونمط الحياة بشكل عام، لأن القوة الناعمة تزيد من التأثير السياسي في العالم العربي، وتجعل الصورة الذهنية أكثر إشراقا.
وشاهد ذلك ما حصل في المنتدى الاقتصادي «دافوس» هذا العام، حيث قام «مسك» بدعوة الكثير من الضيوف الأجانب ليستمتعوا بوجبات سعودية، من صنع طباخين سعوديين، مستمعين أثناء وجبتهم لموسيقى يعزفها شباب سعودي، على أوتار العود وقانون حب الحياة.
حين نعود بالذاكرة للحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، نجد أن مواطنا آسيويا أو أفريقيا يعرف الكثير عن نمط الحياة في أمريكا، يعرف الجينز والهمبرغر والموسيقى الأمريكية، لكنه لا يعرف طبقا سوفييتيا واحدا، رغم احترامي للأدب الروسي لكن هذا يظل مجهودا فرديا.
استرجعت هذه المقارنة وأنا أسترجع السنوات السبع التي هزت العديد من الدول العربية، وسمحت بتمدد إيراني في عدة دول، وربما في الحالة العراقية يعود الأمر إلى 2003، روجت الآلة الإعلامية الإيرانية طوال هذه الفترة لثلاثة أمور، أولا إلصاق تهمة الإرهاب بالسعودية، وأظهرت الحقائق يوما تلو الآخر، أن إيران هي التي آوت ودربت، والحقيقة الأوضح أنها لم تستهدف من الإرهاب، بل استهدفت المملكة ودولا عربية أخرى.
والأمران الآخران، أنها منقذة الشيعة العرب وأنها نصيرة الأقليات، وهو عنوان يعلقة أيضا بشار الأسد، بحكم القراءة من الكتاب نفسه.
ولنكتف بمثال العراق حيث افتتحت إيران وجبة الدم، بقتل الشيعة قبل السنة، بدءا من طياري الجيش العراقي، وصولا إلى كل شيعي رفض العمل السياسي ضمن المظلة الإيرانية، كما أن العراقيين يعرفون أن من فجر مرقد الإمامين العسكريين هي إيران، لأن بضاعتها الوحيدة هي الطائفية.
وحين ضاق العراقيون من فساد النخبة الحاكمة، خرجوا في البصرة قبل أعوام ليقولوا «إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة»، فهذه أرض عصية على المحتل لمن يقرأ التاريخ، والعراقيون ومن البصرة برمزيتها خرجوا في هذه المظاهرات، ولم يخرجوا من الفلوجة أو أربيل.
من شاهد مباراة المنتخب السعودي مع المنتخب العراقي في «البصرة»، يدرك أثر القوة الناعمة السعودية، وشوق العراقيين لعمقهم العربي، وتلمح بالتوازي حنق قاسم سليماني من الحضور الجماهيري الكبير للقاء، حيث خرج مباشرة للقول إن «مكان الشباب العراقي في المعارك لا في الملاعب».
هذا يختصر بضاعة إيران تجارة «الموت»، وهذا يفسر ضيق الإيرانيين وسعيهم لإلغاء المباراة، وبالمناسبة منعت إيران القيام بأي تعداد سكاني منذ 2003، ظنا منها أن هذا الاستفتاء قد يؤثر على الأغلبية الشيعية في البرلمان.
لكن مباراة كرة قدم كانت كافية، لتقول للجميع البصرة مدينة عراقية، وبالتالي مدينة عربية لا فارسية.
صحيفة عكاظ
https://www.okaz.com.sa/article/1620652/
الاثنين 5 مارس 2018
اترك تعليقاً