ينهي خادم الحرمين الشريفين زيارته المهمة والتاريخية إلى روسيا، وهي زيارة ليست عابرة وتنتهي مفاعيلها بنهايتها، بل هي زيارة ترسخ ما قبلها وتؤسس لما بعدها، هي مرحلة جديدة لأكبر منتجي النفط في العالم، لكنها بالتأكيد لا تقف عند النفط وحده.
السعودية وروسيا يخرجان من هذه الزيارة كحليفين، وهذا لا يعني الاتفاق على كافة الملفات، ولا يعني كونه لاغيا لحليف آخر، فالسعودية لا تتفق في سائر الملفات مع باكستان أو مصر أو الولايات المتحدة، لكن هذه طبيعة الحلفاء أن يتفقوا على المبادئ العامة، وعلى رأسها احترام الحليف ومناقشة الاختلافات بشفافية، والتعاون في الملفات المتفق عليها.
أما فكرة إلغاء حليف لآخر وهي أحد أوتار آلة المحور الإيراني المعطوبة، فهي غير صحيحة ومن يقول بها هو يحلل واقع اليوم مرتديا نظارة تعود إلى وقت الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي، فعلاقات السعودية مع الصين ليست بديلا عن علاقاتها مع اليابان، ولا التعاون مع الهند يتعارض مع العلاقات مع باكستان، والأمر نفسه يخص العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة وروسيا.
وفي هذا العام نرى تقدما في العلاقات السعودية الأمريكية، على رأس ذلك اختيار الرئيس دونالد ترمب للرياض كوجهة أولى له، في سابقة لم يقم فيها أي رئيس أمريكي للمنطقة برمتها، وصولا إلى إنجازين أخيرين يتعلقان بالعلاقات السعودية الأمريكية، أعلن عنهما بالتزامن مع زيارة الملك سلمان لموسكو.
حيث أعلنت الخارجية الأمريكية موافقة الحكومة الأمريكية على بيع السعودية منظومة «ثاد» الأمريكية المتطورة للدفاع الجوي الصاروخي بقيمة ١٥ مليار دولار أمريكي، وتعد منظومة «ثاد» واحدا من أعلى بطاريات الدفاع الصاروخي الأمريكية قدرة، ومن شواهد كفاءتها اعتراض بكين على نشرها مؤخرا في كوريا الجنوبية، لتتصدى لأي تهديدات قادمة من كوريا الشمالية.
الإنجاز الآخر للدبلوماسية السعودية، هو رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان بعد عشرين عاما من فرضها، وهو ما يتوج رفع السودان من قائمة الدول التي يخضع مواطنوها لإجراءات صارمة إذا ما رغبوا في دخول الولايات المتحدة، بالطبع كان هناك جهد كبير من السعودية لإقناع الإدارة الأمريكية بذلك، وقد كان هناك تعاون كبير من السلطات السودانية.
وبالتزامن مع هذه المؤشرات الجيدة في التعاون الدبلوماسي والعسكري مع الولايات المتحدة، كانت السعودية تعقد صفقة شراء منظومة الدفاع الروسي المتقدمة S400، مما يؤكد أن السعودية دولة كبيرة ذات استقلالية، منفتحة على مختلف الشراكات، وتنظر لها الدول الكبرى كشريك حقيقي لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وإذا عدنا إلى شهر فبراير الماضي، فقد قام خادم الحرمين الشريفين بجولة آسيوية لعدة دول، عززت فيها السعودية شراكاتها الآسيوية، وخلقت فرص تعاون اقتصادي أكبر، تسهم في تحقيق رؤيتها الطموحة 2030.
هذه الإنجازات في السياسة الخارجية التي تمت خلال أربعين أسبوعا من العام الجاري، تمت بالتزامن مع إصلاحات كبيرة داخلية، وبموازاة ذلك تصد صارم لأنشطة الإرهاب، سواء على مستوى الأداء الأمني الداخلي، أو على مستوى الوقوف بحزم ضد أنشطة النظام الإيراني والقطري.
ولهذا كانت الزيارة إلى موسكو، مصدر غضب لدى الإعلام القطري والإيراني، لأنها تأكيد على الفوارق بين حجم الدول وتأثيرها وسمعتها كذلك، ومؤشر على مستقبل قوة للمملكة، من أكثر من راهنوا على ضعف المملكة.
هذه الزيارة هي تتويج لرصيد الثقة الذي بني بين البلدين في إتفاق الطاقة خريف 2015 ،وتأكيد على أن أكبر دولة في العالم مساحة وسابع اقتصاد في العالم، يعتبر المملكة شريكا ضروريا للاستقرار، وهذا بطبيعة الحال أمر مزعج لكل من يعتاش على الفوضى.

صحيفة عكاظ

http://www.okaz.com.sa/article/1578915/

الاثنين 09 أكتوبر 2017


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *