كتب الأمير خالد الفيصل «ليالي نجد ما مثِلك ليالي.. غلاك أوَّل وزاد الحب غالي»، وغناها محمد عبده في الثمانينات، لكن بدا لو أنه يشدو بها للمرة الأولى الخميس الماضي، كان ذلك في مركز الملك فهد الثقافي في مدينة الرياض، هذا الصرح الجميل الذي بناه الأمير فيصل بن فهد رحمه الله.
اجتمع على المسرح فنان جيلنا الأبرز«راشد الماجد»، وفنان كل جيل فنان العرب «محمد عبده»، وعلى سبيل الاعتذار عن الغياب، غنى الفنانان أغاني كثيرة من الثمانينات، فوجدوا جمهورا حافظا لتلك الأغاني، رغم أن ما يزيد على نصف الجمهور يصغر بالعمر تلك الأغاني.
كان جميلا هذا الحفل الذي يربط شباب الوطن بالوطن، هذا تحقق على مستوى الارتباط الجغرافي، وأن تكون هناك ذكريات ممتعة للشباب داخل الوطن، لا أن يكون الممتع لهم فقط الذهاب للمطار، لمغادرة الرياض بحثا عن الفن عبر شاشة السينما أو مسرح الغناء، لكن هذا الارتباط والحب للوطن ظهر جليا والجمهور وقوف خلال الأغاني الوطنية نهاية الحفل، وأيديهم تحمل علم وطنهم، يرفرفون برايته دون تعب رغم أن حناجرهم ما فتئت تردد الأغاني لأكثر من أربع ساعات.
هذه الفرحة بأن ترى فنانيك يشدون أمامك من وطنك، بدلا من البحث عنهم في القاهرة أو لندن، يشبه تلك اللحظة التي تجد فيها رواية غازي القصيبي رحمه الله أمامك في معرض الكتاب بالرياض، عوضا عن شرائها بسعر مرتفع من دولة عربية، ورجاؤك أن لا يصادر هذه الرواية موظف الجمارك.
تحديت صديقي ونحن خروج من ليلة الغناء الخميسية، هل لك أن تقترح أي عاصمة في العالم أزورها نهاية هذا الأسبوع لأجد متعة أكبر من الرياض، ففشل أن يجد بديلا، بين خميس تلتقي فيه راشد الماجد ومحمد عبده، وبين جمعة يجتمع فيها الأصفران الاتحاد والنصر على كأس ولي العهد، وبين معرض للكتاب يزداد تنظيما وجمالا يوما عن الآخر.
ونحن قادمون للحفل الذي بيعت تذاكر المقاعد التي بلغت الثلاثة آلاف في سويعات قليلة، شغلتني فكرة التنظيم وهل ما يدعيه عشاق الوصاية صحيح ولو جزئيا، من أن الفوضى والعبث ستكون رفيقة هذه الحفلات، فوجدت مشهدا ساحرا من الشباب الذي يقف صفا طويلا محترما النظام، حتى يصل لمقعده المحدد، لكن المبهر أكثر خروج هذه الآلاف بكل هدوء ودون تزاحم، كم كان هذا المشهد حضاريا ودليل رقي شباب السعودية، وهم ليسوا شباب الرياض وحدها، بل شباب كل الوطن، لأن الكثيرين أتوا للرياض من أجل حضور هذه الليلة التاريخية.
فعلا ما أرق الرياض ذاك اليوم، وكم رقت واترقت الأنفس بالموسيقى، فكان أن غنى أبو نورة آه.. ما أرق (الرياض) تالي الليل.. أنا لو أبي.. خذتها بيدها.. ومشينا.. وهذه الكلمات للبدر، ذكرتنا بأمسية البدر الجميلة الشهر الماضي في الرياض، والتي قصد فيها القصيدة الوطنية فوق هام السحب، والتي عاد محمد عبده ليغنيها برفقة راشد الماجد، وغناها معه كل الحضور، لتكون حقا الرياض في تلك الليلة فوق هام السحب.
صحيفة عكاظ
http://okaz.com.sa/article/1532886/
الاثنين 13 مارس 2017
اترك تعليقاً