في التحليل السياسي لأداء إيران منذ الثورة التي اختطفها الملالي في العام 1979، كانت مشاريع إيران التوسعية تعمل على أكثر من محور، لكنها سياساتها كانت تتسم بالنفس الطويل والتغلغل ببطء، ولا تعبأ إن وصلت لأهدافها بعد عقد من الزمان أو عقدين.
ربما المثال الأبرز على ذلك هو الاستثمار في حزب الله اللبناني، ليكون ذراعا عسكريا وإرهابيا وإعلاميا واقتصاديا أيضا، برزت القدرات العسكرية لحزب الله عبر تدريب الميليشيات في اليمن وفي العراق، والإرهاب لا يكفي مقال واحد لسرد كمية العمليات التي قام بها حزب الله في دول عربية وغربية، وفي الإعلام التقليدي والاجتماعي كذلك، وصولا إلى الجهد الاقتصادي عبر شبكات المخدرات في أمريكا الجنوبية ومناطق عدة من العالم، وصولا إلى عمليات غسل الأموال لشراء السلاح لتمويل معاركه في سورية على سبيل المثال.
لكن دائما ما تفشل إيران على المستوى التكتيكي، الذي يستلزم قراءة واقعية للمتغيرات على الأرض، أو السيناريوهات الصادمة والخارجة عن المألوف، كما أن الانتصارات كثيرا ما تدخلها في حالة من الانتشاء تؤدي لغياب البصيرة، كما أن الداخل لدى النظام الإيراني مسألة مقدور على السيطرة عليها بالأمن، وبحجب المواقع الإلكترونية وتكميم الأفواه.
إن فترة باراك أوباما أدخلت إيران في حالة من سوء التقدير حول حجمها ومدى فائض القوة لديها، وبالتالي ما يجب أن يقوم به الغرب من السماح بنفوذ لإيران يليق بحجمها، هذا حصل بالتأكيد عبر ما ظهر من الاتفاق النووي وما كان في حكم النتيجة من هذا الاتفاق، فسمح لإيران بتعطيل الملف الرئاسي في لبنان، والاستمرار في العبث في العراق ودعم نظام الأسد في سوريا وتسليح الانقلابيين في اليمن.
سوء التقدير هذا امتد إلى اعتبار فوز هيلاري كلينتون تحصيل حاصل، وبالتالي هي فترة ثالثة لأوباما مع تغيير طفيف في التفاصيل لا الاستراتيجيات، لا أعرف أي لوثة عقلية تلك التي لم تلحظ تمديد مجلس الشيوخ الأمريكي لعقوبات إيران لعشر سنوات قبل نهاية فترة أوباما، كرسالة بأن الاتفاق النووي أو ارتفاع الاستثمارات الغربية في إيران أو حتى بعض صفقات الطيران المدني ليست شيكا على البياض.
أما اللوثة الأكبر فكانت سوء تقدير الرؤية الجديدة للرئيس دونالد ترمب، ومفهوم أن يعتقد البعض أن تصريحات السياسيين خلال الحملات الانتخابية قد تختلف عن التصرفات حين تبدأ الممارسة، لكن الأمر الواضح كان اختيارات فريق ترمب الذين تعرفهم إيران جيدا، أو على الأقل هم يعرفونها جيدا، ومنهم وعلى سبيل المثال وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، الذي كان قائداً للقيادة الوسطى، يعرف جيدا أن صواريخ إيران هي التي قتلت جنوده في 2011، والتي شهد رحيل 15 جنديا أمريكيا شرق بغداد في شهر واحد، مما دفع الجنرال ماتيس لوضع مقترح لضربة جوية في داخل إيران وأبلغ البيت الأبيض بأنه: «علينا أن نجعلهم يدركون أن لدينا صواريخ كذلك»، لكن طلبه جوبه بالرفض من الرئيس أوباما الذي كان يفضل دوما المسار الدبلوماسي في التعامل مع إيران.
مع هذه الحكومة الجديدة في البيت الأبيض، حاولت إيران أن تكون مراسم الاستقبال بفرد العضلات، معتقدة أن ردة فعل فريق ترمب ستشابه ردة فعل فريق أوباما، فقاموا بتجربة صاروخية، وقاموا بعمل آخر أكثر حماقة وهو الاعتداء على فرقاطة سعودية في البحر الأحمر، مما يؤكد أن وجود الانقلابيين حلفاء إيران على الساحل الغربي اليمني خطر على الملاحة الدولية، في أهم معبر دولي.
قد لا يكون هناك حرب على إيران وسيستمر على الأغلب الاتفاق النووي وبشكل أكثر صرامة، لكن لن يكون مسموحا لإيران الاستمرار في تمددها العبثي في المنطقة، وستهلكها مزيد من العقوبات الاقتصادية، كما أن تحرير المخا غرب اليمن هو تغير كبير على مستوى معركة الشرعية بدعم من التحالف العربي في اليمن، سيؤدي إلى تقدم مماثل في الحديدة وتعز، وربما إلى انشقاقات أسرع من المتوقع بين صالح والحوثيين وهذا ما ظهر من التسجيل الأخير لصالح.
يبقى الداخل الإيراني الجمر المغطى الذي لا يولي له النظام الإيراني أهمية كبرى، لكنه مرشح جدا للانفجار في الانتخابات الرئاسية في مايو القادم، وربما بشكل أكبر مما حدث في الثورة الخضراء 2009، وكرة الثلج التي كبرت بفعل أوباما أنست النظام الإيراني أنها كرة من ثلج تتفتت عند أول صخرة.
صحيفة عكاظ
http://okaz.com.sa/article/1526995/
الاثنين 13 فبراير 2017
اترك تعليقاً