العالم كله يتغير وليس منطقتنا فقط، التغيير في إستراتيجيات الدول العظمى وأهدافها الاقتصادية تؤثر في أوروبا وآسيا، كما تؤثر بالطبع في منطقتنا العربية، تهب رياح اليمين في أوروبا لتلحق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي تلا فوز ترمب بالانتخابات الأمريكية، يعني ذلك أن الكثير من ما يقال عن استطلاعات الرأي أو تشكيل الرأي العام ليس صحيحا بالضرورة.

فترتا أوباما اللتان تميزتا بالضعف والانسحاب من مناطق عدة، سمحت للصين شرقا بالتمدد في بحر الصين، وساهمت في أن تصبح كوريا الشمالية أكثر خطورة، وفي أوروبا القريبة منا تمددت روسيا في جورجيا 2008، ثم عادت لتتمدد في أوكرانيا 2012، وابتلعت القرم كلقمة سائغة، وتراجع أوباما عن نشر الدرع الصاروخي في عدة دول أوروبية، وتركيا الحليف التاريخي والعضو المهم في الناتو، لم يجد أدنى إشارات الدعم بعد احتدام صراعه مع روسيا بعد إسقاط طائرة السوخوي.

بل إن تركيا شعرت في لحظة الانقلاب أن الولايات المتحدة لم تكن ضد الانقلاب، وما زالت حتى اللحظة لم تسلم فتح الله غولن لأنقرة، فما كان من تركيا إلا أن بحثت عن مصالحها مع روسيا مع ما يشمله ذلك من تنازلات على الخريطة السورية، ومصالحتها مع إسرائيل لحماية مصالحها أيضا في المنطقة.

إيران اليوم وبغض النظر عن ما تخشاه من رئاسة ترمب القادمة، إلا أنها تتميز ببراجماتية عالية جعلتها تستفيد من شهوة التمدد الروسية في المنطقة، فكان أن أصبحت القوات البرية للجيش الروسي، واستمرت بسعي حثيث في تجييش مقاتلين جدد لمهمة قتل السوريين، عبر ميليشيا حزب الله وعناصر من الحرس الثوري وعدة ميليشيات أخرى.

براجماتية إيران ظهرت في قدرتها على الانحناء للعاصفة كلما كانت الرياح أقوى، فلم ترد إيران على أي قصف إسرائيلي لشحنات الأسلحة أو قوافل حزب الله في سورية، وآخرها القصف الإسرائيلي لمناطق قريبة من دمشق، ولم ترد إيران على تصفية القيادات العسكرية لحزب الله بل وللحرس الثوري، والتي تمارسها إسرائيل منذ بدء الأزمة السورية على طريقة صيد العصافير.

اليوم تركض طهران لإنهاء معركة حلب والموصل؛ لأنها لا تدري أي رياح سيئة أتت بترمب، وإلى أي مدى سيطلب فاتورة أكبر للاتفاق النووي، خصوصا مع تمديد الكونجرس للعقوبات على إيران.

اليوم تأتي زيارة الملك سلمان لدول الخليج، للتأكيد مرة أخرى على متانة العلاقات بين الدول الخليجية، وهي الدول الأكثر تماسكا واتساقا بين شعوبها وحكامها، في بحر متلاطم من الدول الفاشلة Failure state، والتي أعاد التقرير السنوي الصادر عن صندوق السلام تسميتها بالدول الهشة Fragile States، بالإضافة إلى دول لا يسمح وضعها بتجاوز التفكير في شؤونها الداخلية.

وعندما أقول إن العلاقات متينة بين دول الخليج وشعوبها، فهذا لا يعني وجود الاختلافات حول أمور رئيسية، وعلى رأسها السياسة الخارجية المشتركة، فلا يشعر الجميع بخطورة إيران على أمنه بنفس الدرجة، ولا تتفق الدول الخليجية حول قائمة مشتركة للتنظيمات الإرهابية.

ولدول الخليج قدرات كبيرة اقتصادية وسياسية وعسكرية، لو عملت بشكل مشترك في عدة ملفات إقليمية لحققت مكاسب أكبر، ولتم تحجيم الخطر الإيراني بشكل أكبر وأكثر جدوى في اليمن والعراق وخصوصا في سورية.

اليوم دول الخليج القوية والتي دائما ما يتعامل معها الغرب ككيانات منفردة، تحتاج الدول العظمى للتنسيق معها في مختلف الملفات الإقليمية، ومن هنا تأتي مشاركة رئيسة وزراء بريطانيا في القمة الخليجية التي عقدت في المنامة، وزيارة وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون للرياض يوم أمس لعرض إستراتيجية بريطانيا في المنطقة.

بريطانيا بعد البريكست وخروجها من الاتحاد الأوروبي، تتحرك بحرية أكبر للبحث عن مصالحها، والتي ليست اقتصادية فقط، كما أنها قررت الانخراط أكثر في منطقة الشرق الأوسط، تبعا لفرضيتين أساسيتين، الخروج الأمريكي من المنطقة والدخول الروسي الذي يهدد مصالحها الأمنية.

يجب الاستفادة لتعظيم المصالح المشتركة بين دول الخليج وبريطانيا، وهو ما قد يسهم في تحجيم التمدد الإيراني وحسم الملف اليمني، وعسى أن تتعامل دول الخليج كمنظومة واحدة مع الدول الغربية، ولو تعاملت في الحد الأدنى كدول 6-1.

صحيفة عكاظ

http://www.okaz.com.sa/article/1514137/

الاثنين 12 ديسمبر 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *