«لن أتقاعد أبدا من السياسة، السلطة عبودية وأنا عبدها»، هذا ما كان يردده رئيس كوبا فيدل كاسترو الراحل قبل أيام عن عمر يناهز الـ90 عاما، لم تصدق عبارته فقد اضطر إلى التنازل عن الحكم لأخيه راؤول في العام 2006، فيدل كاسترو الذي نجا من أكثر من ستمائة عملية اغتيال، وتزامن مع أكثر من 11 رئيسا أمريكيا، مات مريضا بعد أن فشلت كل التحديات الأخرى على كسره.
المحامي فيدل كاسترو سعت الولايات المتحدة لإضعافه عبر حصار اقتصادي، ولكنها لم تنجح في ذلك، بل اللافت أنه استطاع العبور بكوبا حتى بعد سقوط الداعم الأكبر لكوبا «الاتحاد السوفييتي»، حيث نجح في إيجاد مصدر جديد للدخل من السياحة وخصوصا مع حليفين جديدين هما الصين وفنزويلا في عهد الرئيس هوغو تشافيز.
كاسترو صانع أول نظام اشتراكي في غرب الكرة الأرضية، هو ديكتاتوري مثل باقي الأنظمة الشمولية، فعلى مستوى الصحافة وصفت منظمة «مراسلون بلا حدود» كوبا بأنها «واحدة من أسوأ البلدان من وجهة نظر الصحفيين»، مضيفة «الصحفيون المستقلون يتعرضون لاضطهاد مستمر من حكومة كاسترو»، كما تخضع وسائل الإعلام في كوبا لسيطرة مشددة من الحكومة، ويجب على الصحفيين العمل ضمن حدود قوانين تناهض الدعايا المناوئة للحكومة.
كاسترو الذي استطاع التغلب على 50 عاما من العقوبات الأمريكية، قدم نموذجا رائدا على المستوى الطبي، ولكن يتم إغفاله من الإعلام الغربي بطبيعة الحال، ويورد ذلك د. جاسر الحربش في مقال له في 18 فبراير 2015، حيث يقول: «كوبا، الدولة الفقيرة التي عزلها الغرب لنصف قرن، اقتصادياً وسياسياً وتقنياً، حققت أفضل نجاح تطبيقي في الطب وبزت به الدول العاتية الفاحشة الثراء التي تحاصرها».
وأضاف د. الحربش: «تلك الدولة الفقيرة المحاصرة قدمت للعالم أنجح تطبيقا عمليا على مستوى العالم للسيطرة على مرض الإيدز بجهودها الذاتية وبتكاليف زهيدة يصعب تصديقها في تلك الدول الباذخة الثراء والقدرات»، إنجازات كوبا الطبية لم تبق محلية، بل وصلت إلى أفريقيا، حيث قدم أطباء كوبيون تجربة رائدة في التصدي لفايرس إيبولا، ورشحت حملة كوبا لجائزة نوبل للسلام في العام الماضي.
فيدل كاسترو كان حريصا على الحد من انتشار الإنترنت، ولم يسمح إلا بالإنترنت المنزلي قبل فترة قريبة، وربما يأتي هذا إدراكا منه أن هذا الباب عادة ما يكون مدخلا للأفكار الأمريكية، الذي خلد نفسه للتصدي لها، تحت ما كان يسمى بالتصدي للإمبريالية.
وتحت هذا العنوان أي «التصدي للإمبريالية» جمعته صداقات مع عدة رؤساء عرب، يأتي على رأسهم جمال عبدالناصر حيث اعتبر كاسترو ثورة 52 ملهمة له، حين دخل العاصمة الكوبية هافانا، جمعته صداقات أيضا مع حافظ الأسد وصدام حسين، والذي نصحه بالخروج من الكويت، معتبرا أن دخوله الكويت خطأ سيجلب تدخلا أمريكيا يضر بالعراق.
وقد أرسل رسالة لصدام محاولا إماطة غمامة الغرور عن عينيه: «لو كانت هناك أسباب مبرّرة ومنطقية، لكنت آخر من يطلب منك تفادي هذه التضحية، وإن التجاوب مع ما تطلبه منك الغالبيّة العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، لا ينبغي أن تراه وكأنّه نوع من الإذلال».
اليوم تطوى صفحة حاكم كاريزمي، كان علامة من علامات القرن الماضي، يصفه صديقه الروائي غابرييل غارسيا ماركيز «صبر لا يقهر. انضباط حديدي. قوة مخيلة تسمح له بقهر أيّ طارئ»، لم تقتله المئات من عمليات الاغتيال التي سعت لها الولايات المتحدة، ولا قتله آلاف السيجار الذي دخن، لكن قتله قدره والذي كان طارئا لم يستطع قهره.
صحيفة عكاظ
http://www.okaz.com.sa/article/1511385/
الاثنين 28 نوفمبر 2016
اترك تعليقاً