ما بعد «جاستا»

العلاقات العربية الأمريكية لن تختلف فقط بسبب «جاستا»، فهي قد اختلفت بالفعل منذ الحادي عشر من سبتمبر، واحتاج النظام الأمريكي إثر ذلك لخلق كبش سمين يحمله نتيجة الأحداث، وقد كان الاختيار وقع على العراق، وزور لذلك الكثير من الحجج عن أسلحة الدمار الشامل، هذا مع وجود منافع اقتصادية جمة لهذا الغزو أمريكيا.
أما العلاقة الخليجية الأمريكية فقد بدأت الرغبة الأمريكية في تخفيفها منذ عهد دبليو بوش الابن، والذي قال: يجب أن نُفطم من نفط الخليج، حيث بدأت خطوات التخلص من الارتهان لنفط الخليج، وذلك عبر عدة خطوات حيث تم رفع المخزون الاحتياطي من النفط، وهو عمل تم التفكير به عقب قطع المملكة للنفط في 73 في عهد الملك فيصل، الأمر الثاني كان الطاقة البديلة والبحوث العلمية حول ذلك، إضافة إلى اكتشاف النفط الصخري، الذي لم تتوقف الأبحاث لجعل تكلفة استخراجة أقل.
انحسار الخطر السوفييتي ونهاية انقسام العالم لمعسكرين، بدأ تدريجيا إعادة تقييم في دوائر القرار الأمريكية، حول المناطق الإستراتيجية للتواجد الأمريكي، والتي رأت الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، والتوجه نحو شرق آسيا وبحر الصين ومنطقة أوقيانيا، كما أن تراجع المعسكر الشرقي وتفككه قلل من أهمية الخليج والذي كان حليفا قويا لأمريكا في ذلك.
لكن التوتر في العلاقة حدث في الحادي عشر من سبتمبر ثم في 2003 مع غزو العراق، وما تلا ذلك من تسليم العراق لإيران، ثم زاد التباين بين الموقف السعودي والأمريكي تحديداً بعد الربيع العربي، حيث كان موضع خلاف بين الرياض وواشنطن، سواء في البحرين بعد تدخل درع الجزيرة، أو في مصر مرتين في 2011 وفي 2013، وكذلك في سورية التي كانت السعودية ترى ضرورة دور أكبر للولايات المتحدة لإيقاف نزيف الدم السوري.
اليوم يأتي إقرار قانون «جاستا»، والذي يتم التعبير عنه إعلاميا بأنه قانون موجه للسعودية، وهذا الأمر صحيح إلى درجة كبيرة لكنه لا يمنع مقاضاة دول أخرى ذات علاقة بأحداث سبتمبر، وأجواء التصويت على القانون قبل فيتو الرئيس وبعده، تشير إلى رغبة انتهازية في تحميل دول فواتير ما لم تقم به.
قيل الكثير عن التوقيت الذي خرج فيه القانون، وإنه استفاد من زخم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وحتى الرئيس أوباما رغم الفيتو لم يقم بالجهد المطلوب لمنع إقراره، حيث أشارت زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي، إلى أن أوباما لم يضغط لمنع تجاوز الفيتو.
أما وقد أقر القانون فيجب التعامل معه بواقعية، والابتعاد عن العواطف التي تملأ نقاشات الشبكات الاجتماعية، فإقرار «جاستا» هو منعطف في العلاقة السعودية الأمريكية، لكنه لن يكون أمرا سيئا بالضرورة، لكن عدم الاستعداد للأسوأ سيكون عملا ضاراً، ويجب الاستفادة من اللحظة للعمل الإستراتيجي في علاقاتنا مع دولة مهمة كأمريكا، وأخذ بادرة الفعل لا ردات الفعل وبشكل متأخر غالبا.
من الضروري أن تُفعل المملكة قوتها الناعمة، في التواصل مع المؤسسات الأمريكية المختلفة، سواء المؤسسات السياسية كالكونجرس، أو المؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، يجب أن نستفيد من عدة أمور منها المبتعثون لإيصال صورة طيبة عن السعودية، لأنك إن لم تخلق صورتك في أذهان الناس، فسيتولى في الغالب صنع صورتك خصومك بالشكل الذي يخدمهم.
جاستا فرصة أيضا للاستمرار في تنويع التحالفات، وفي العمل أكثر للاستقلال العسكري، واستقلال الاقتصاد السعودي بدرجة أكبر عن النفط، فقوة الدول دوما تقاس بعدد الخيارات التي تملكها، وعدد الأوراق التي يمكنها اللعب بها.

صحيفة عكاظ

http://okaz.co/bwKXDdLZS

الاثنين 3 أكتوبر 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *