يظهر مقطع يوتيوبي زلة لسان للرئيس باراك أوباما قبيل انتخابه لفترة رئاسية ثانية، خلال لقائه بالرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيدف، على هامش قمة الأمن النووي في سيئول العام 2012، إذ تحدث مخاطبا الرئيس الروسي دون علمه بأن المايكرفون يعمل، حيث قال له: «هذه آخر انتخابات لي، بعد انتخابي سيكون لدي مرونة أكبر»، ثم ربت أوباما بيده اليسرى على ركبة ميدفيدف اليمنى، إشارة للصداقة الموجودة.
ميدفيدف رد عليه بالقول: أتفهم ذلك، سأنقل هذه المعلومة لفلاديمير، الحديث كان عن منظومة الدرع الصاروخية، ولمن يذكر فقد كان واضحا الود بين أوباما وميدفيدف خلال لقاء آخر تناول فيه الرئيسان «البرجر» في مطعم، وفي النهاية ميدفيدف وهو مندوب لبوتين قد يكون أقل فظاظة منه.
هذا الحديث من أوباما الذي يبدو أنه لغته مع الروس في الغرف المغلقة، ولكن هذه الزلة سمحت بأن يخرج هذا الحديث إلى العلن، وبالتالي ليست حوارات أوباما وأشهرها حواره مع الاتلنتك والذي عنون «عقيدة أوباما»، هو السبيل لفهم تصرفات الإدارة الأمريكية تجاه الملفات ذات الارتباط مع روسيا.
من شاهد المسلسل الأمريكي الشهير هاوس أوف كاردز «House of Cards»، خصوصا زاوية إذعان الرئيس الأمريكي مرغما لشروط روسيا في كثير من الأحيان، لعدم استطاعته مجاراة روسيا في الأعمال الإجرامية التي تقوم بها، بطبيعة اختلاف النظام بين البلدين وسلطة الرأي العام.
إذا ما أضفنا إلى ذلك حالة أوباما الرافضة في الانخراط بشكل كبير في حروب المنطقة، لدواع اقتصادية وإستراتيجية وإدراك لأولويات الناخب الأمريكي، فأوباما في نهاية الأمر أحد أكثر الرؤساء شعبية في فترته الثانية.
رغبة أمريكا في الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط لم يسمح بتمدد روسيا فقط، بل هو ما يشبه عودة قدماء المستعمرين، فمن الواضح أن فرنسا تتمدد أفريقيا، من خلال مشاركتها في أعمال عسكرية في مالي وغيرها، وبريطانيا تعود لتكون دولة ذات تأثير في دول مثل العراق وربما اليمن.
لكن ما يجعل تمدد روسيا أكثر شيوعا في الإعلام، يعود إلى العداء الظاهر بين روسيا والغرب وهو ما قد لا يكون صحيحا في واقع الأمر، كذلك دموية التمدد الروسي خصوصا في سورية، الأمر الثالث أن كل تمدد روسي هو بالضرورة ضد مصالح حلفاء أمريكا، بدءا من أوكرانيا التي كثفت روسيا تواجدها العسكري على حدودها في أغسطس الماضي، مع صمت أمريكي معتاد كوجبة يومية بهارها «الشعور بالقلق».
كذلك الأمر في تخلي روسيا الواضح عن تركيا بعد إسقاطها لطائرة السوخوي الروسية، بل إن من سخرية القدر أن بوتين دعم أردوغان ضد الانقلاب وأمريكا ترددت في ذلك، مما دفع تركيا للتنسيق مع روسيا لكي تضرب الأكراد شمال سورية، الذين هم حلفاء أمريكا أيضا، فأصبح شمال سورية هو «سورية التركية» تفعل فيها تركيا ما تشاء، وغرب سورية يشكل «سورية المفيدة» التي يفرغ الروس والإيرانيون مدنها وآخرها مضايا، لكي يتم إحلال شيعة من باكستان وأفغانستان وإيران بدلا من سكانها السنة.
في سورية بدأت فكرة التقسيم تزامنا مع عودة بوتين للرئاسة وحمل كيري لحقيبة الخارجية، كما ذكرت في مقال كتبته في مايو 2013 بعنوان «خياط الكفن»، وقد تعلم الأمريكان من درس العراق أن لا يتركوا سورية إلا وحدود التقسيم منجزة، مع إعطاء هذا الحل الوقت الكافي من الدم ومن إحباطات فشل الحلول السياسية مع عدادات جنيف.
وإن كان أوباما زل في حديثه عن الدرع الصاروخية، وزل قبله كيري عبر ضرورة المفاوضات مع الأسد في فترة المفاوضات النووية مع إيران، ثم عاد ليبين أنه يقصد نظام الأسد لا شخص الرئيس الأسد، إلا أن صراحة لافروف أدق من الزلات، فقد قال على التوالي في العامين 2012 و2013، أولا «إنه لن نسمح بوجود دولة سنية في سورية»، وتاليا حين سأله صحفيون عن دعمه لنظام دموي، أجاب: ما نقوله في العلن لا يختلف عن ما يقوله الغرب في الغرف المغلقة.
صحيفة عكاظ
http://okaz.co/bwKV3dKUB
5 سبتمبر 2016
اترك تعليقاً