للسعودية تاريخ طويل في محاربة الإرهاب، حيث كانت وما زالت في أولويات الأهداف بالنسبة للجماعات الإرهابية سواء من التحفت بجلباب السنة أو من تعممت بعمامة الشيعة، كانت المملكة كحاضنة للحرمين ومنافحة عن الإسلام المعتدل خطرا أيدلوجيا على الفكر المتطرف، حيث الانفتاح وقبول الآخر يمثل مشكلة لدى كل فكر متطرف لا يعرف العيش إلا في الكهوف والأقبية.
فبحث الإرهابيون عن استهداف علاقاتها مع دول العالم عبر التغرير بشباب سعودي للقيام بعمليات في دول أخرى، وقامت دول وأجهزة استخبارية باستهداف شعيرة الحج ومحاولة إرباك الأمن وإشاعة الفوضى، سعيا لتكرار المطالبات المسيسة بتدويل الحج، وانتهاك سيادة المملكة التي تتضمن إدارتها للحج والعمرة، وإنكار جهدها الكبير والمبذول عبر العصور، وهو الجهد المشهود له من جل زوار الحرمين، ولو شاب هذا الجهد تقصير في موضع أو آخر فهو أمر طبيعي تبعا لكثرة الأعداد وضيق المساحة التي يتواجدون بها، لكن التطوير ودراسة الأخطاء كان سمة العمل في الحج منذ نهاية الموسم حتى بداية الموسم الذي يليه.
ومن خلال إدراك طبيعة الإرهاب وأدواته، التي كثيرا ما تنجح لحسن ظن الناس وسعيهم لعمل الخير، فقد كانت سياسة المملكة في التصدي للإرهاب على أكثر من محور، المحور الأساسي بطبيعة الحال هو المحور الأمني، الذي نجح في حالات عدة باستباق عمليات إرهابية وإفشالها وحقن دماء الناس، كما أن تجفيف منابع تمويل الإرهاب كان مسعى مهما قامت به المملكة، حيث كان دعاة الفكر الضال يغررون بمحبي الخير عبر جمع التبرعات، التي لا تذهب لبناء مسجد أو حفر بئر، بل تذهب لتفخيخ مراهق لكي يفجر مسجدا. وقد كان مركز المناصحة علامة بارزة في التصدي للفكر بالفكر، والسعي لإدماج من ضللهم الإرهاب في المجتمع، لكي يعودوا مواطنين صالحين، ولكن للقوى الناعمة أذرع أخرى لتوعية المجتمع من براثن الإرهاب، من أهمها الإعلام والدراما وما يقدمه الدعاة من وعظ. أما الإعلام فبذل جهدا كبيرا في توضيح حقيقة الإرهاب، وتبيان السياسي من الديني في ذهنية التطرف، وإن كنت لا أعفي الإعلام وأنا محسوب عليه من التقصير، إلا أن دوره كان مهما في توضيح الأجندات السياسة للتنظيمات الإرهابية، التي قد تغيب حتى عن العناصر التي تقوم بالعمليات، وتكون الأهداف وضعت بناء على صفقات بين قيادات الجماعات الإرهابية و الأجهزة والدول التي تعادي المملكة.
في الدراما كان هناك دور مؤثر عبر أعمال عدة، سعت لتوعية الأسر والمجتمع من خطر الإرهاب ومنافذه التي يسلك منها، ولعلنا في هذا العام نشهد واحدا من أشجع الأعمال الدرامية السعودية في التصدي للإرهاب، وهو «سيلفي 2» الذي تصدى للإرهاب ولملفات عدة كانت موضع حرج لدى الآخرين، وعلى رأسها الطائفية المقيتة التي تأخذها دول إقليمية مطية لتفتيت خصومها، والحقيقة أن هذا الطرح الشجاع هو امتداد لطرح الجزء الأول الذي أبدع فيه ناصر القصبي كما في جزئه الثاني، ولا ننسى حلقة العام الماضي حين قرر الإرهابي قتل أبيه -ناصر القصبي-، تلك الحلقة التي مثلت صدمة مطلوبة للوعي.
هذا العام قام الفنان المتألق طارق الحربي بتجسيد دور الإرهابي بكل شجاعة، وكذلك خاض فيما يخشاه غيره عبر الحلقات التي ناقشت الطائفية، ولماذا أسميها شجاعة لأنك ترى العديد من الفنانين وعبر لقاءاتهم التلفزيونية، يفاخرون بأنهم يتجنبون حلقات كهذه، والفنان دوره أن يشعل شمعة في أحلك الظلام، أما إن خشي الظلام فلن يكون يوما فنانا بالمعنى الحقيقي.
هذه الشجاعة التي وصمنا بها الفنان طارق الحربي يجب أن نصف بها أيضا بعض الدعاة، الذين لم يرهبهم جمهورهم وقالوا الحق ضد الإرهاب، ومن الدعاة بطبيعة الحال من تعاملوا مع الإرهاب بزئبقية، فمنذ عمليات تنظيم القاعدة في المملكة ومنهجهم التلاعب بالألفاظ، فهم ينكرون الإرهاب وسفك الدماء، لكنهم لم يطرحوا يوما رأيهم في قتل المخالفين دينيا أو طائفيا من المواطنين أو المقيمين، ولم يفتوا بوضوح عن حكم قتل رجال الأمن، المهم لديهم أن يبقى متابعو ومريدو تويتر في ازدياد تحت راية الزئبقية.

 

صحيفة عكاظ

http://okaz.co/bwKSOdIs4

الاثنين 4 يوليو 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *