مفاوضات جنيف 3 حول سورية لم يعد أحد يورد لها ذكرا، ربما لأنها لم تنعقد كمفاوضات جادة منذ البداية، المفاوضات عقدت باعتبارها إحدى خطوات القرار الأممي 2254، والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى هيئة انتقالية، ثم خطوات تشمل انتخابات وتغيير للدستور، وصولا إلى إتمام حل سياسي شامل يضمن انتهاء الأزمة السورية وإيقاف نزيف الدم الذي تجاوز النصف مليون قتيل، وملايين الجرحى والمهجرين وبلد شبه مدمر بالكامل.
روسيا تحديدا حاولت أن تكون مخرجات المفاوضات كما تريد هي، وبالتالي سعت لوفدين من تفصيلها سواء وفد النظام المغلوب على أمره أو وفد المعارضة الصورية، وقبلها كانت موسكو وباقي حلفاء الأسد يرددون أن المعارضة مفرقة ولا يمكن لم شتاتها، كما أنها لا تمثل الشعب السوري على الأرض، فكان أن نجحت الرياض في جمع أوسع طيف من المعارضة المعتدلة بكياناتها العسكرية والمدنية، بل وكان النجاح أكبر بالوصول لاتفاق فرقاء المعارضة على سورية موحدة ومدنية.
تلا ذلك سعي روسيا للتذاكي على وجود وفد موحد للمعارضة، عبر السعي لإقحام معارضة حليفة للأسد وموسكو، مرة عبر تسميتهم وفد المعارضة العلمانية، ومرة عبر النواح على استبعاد الأكراد، وبالتالي جلب «صالح مسلم» للمفاوضات، كما أن تصفية «زهران علوش» قائد «جيش الإسلام»، كانت أيضا من مساعي تعطيل المفاوضات، أو تمديد المفاوضات حتى يتحقق سيناريو أفضل على الأرض لروسيا، التي تريد جزءا معينا من سورية لقواعدها، كما أنها تريد سورية مقسمة حسب الدستور الذي سرب من روسيا.
روسيا لم تكن يوما في جيب إيران كما حاول إعلام المقامرة أن يروج، بل كان هناك تباين كبير بين ما تريده روسيا وما تريده إيران من سورية، ولعل أحد أبرز الخلافات التي ظهرت قبل أشهر، هو الخلاف حول مصير الأسد، والأسد نفسه الذي اغتبط بالتدخل الروسي – ليس من أجل حماية كرسيه فقط – لينفك من التدخل الإيراني الذي تحول استعمارا، حيث ضاق أهل الشام من أفغان وباكستانيين يسكنون أحياء من دمشق، ويتعاملون كأهل الدار مع السوريين.
أما حزب الله فقد كان يتعامل بغطرسة مع عناصر الجيش السوري، ويعتبر أن عناصره أكثر تدريبا وقدرة قتالية، ولولا عناصر الحزب لسقط بشار الأسد، وهذا الحديث ليس سرا بل ورد في خطابات لحسن نصر الله، وهو صراع بين الحلفاء يعود لمعركة القصير «أغسطس 2013»، وليس ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في ريف حلب الجنوبي عنه ببعيد، حيث قتل عناصر من حزب الله بصواريخ وجرح حوالى 50 عنصرا بجروح خطيرة، عبر اختراق للمعارضة السورية، فما كان من حزب الله إلا أن خون عناصر النظام السوري، وهجم على الثكنة وقتل عقيدا وستة جنود، وهنا يأتي فهم الحلفاء المختلفين لبعض فحزب الله يعتبر عناصره عقائديين، ويعرف أن جيش الأسد مجموعة شبيحة تبرع في البيع أكثر من القتال.
الاشتباكات التي حدثت بين جيش النظام وحزب الله وانتهت بقصف النظام لمواقع لحزب الله مؤشر على ما وصل الحال له بين الحلفاء في سورية، وهي مرتبطة بالضغوط المتزايدة التي قامت بها السعودية ودول عدة لخنق تحرك حزب الله اقتصاديا لتمويل عملياته الإرهابية، وصولا للعقوبات الأمريكية التي التفت على عنق حزب الله وتركت له خيارين إما الاستسلام أو قتل آخر نفس في لبنان وهو مصرفيتها العريقة، وقد كان تفجير بنك لبنان والمهجر على اللغة التي لا يفهم سواها الحزب.
كما أن ما حدث في ريف حلب الجنوبي له دلالات عدة، فهو يشير إلى أن لقاء وزراء دفاع سورية وإيران وروسيا في طهران، لم يكن أكثر من اجتماع صوري أراد إرسال رسالة لا حبر لها، فعدم نجاح حلفاء الأسد في السيطرة على حلب رغم القصف العنيف وتجويع المدينة، دليل على أن قدرات الحلفاء لا تستطيع القيام بأكثر مما كان إلا عبر التجويع، وهو ما تصدت له السعودية عبر رسالتها للأمم المتحدة والتي وقعت عليها 59 دولة، وتهدف للضغط على الأمم المتحدة لإطلاق جسور جوية لجميع المناطق المنكوبة، وعدم السماح للأسد بالاستمرار بمنهجية «الاستسلام أو الموت جوعا» والتي بقيت الورقة الأخيرة للأسد وحلفائه لتركيع المناطق السورية العصية.
سورية اليوم تعد مطبخا كثر طهاته واحترقت الطبخة على أهلها، وهذا ما يصعب الحل اليوم كما أنه يمنع طرفا بذاته من القدرة على الحسم، إلا أن توافقا روسيا أمريكيا قد يكون ضروريا للطرفين هو ما قد يحسم الصراع، فأوباما يتعرض لضغوط كبيرة بعد حادثة «أورلاندو»، فهو لا يستطيع بعدها القول إن الإرهاب في سورية لم يعد خطرا قوميا على أمريكا، كما أن الحادثة في هذا الوقت الانتخابي ستضغط أكثر على الديموقراطيين مما سيمثل ضغطا على الرئيس بالنتيجة.
والرسالة التي قدمها 51 دبلوماسيا من الخارجية الأمريكية هي دافع آخر لمزيد من الضغط على أوباما، والتي عبر فيها الديبلوماسيون عن كون أي حل في سورية بلا عمليات عسكرية هو سراب، روسيا من ناحيتها استخدمت قناتها روسيا اليوم لإرسال رسالة للأمريكان، عبر تسريب مقطع فيديو يشير لتفاجؤ بشار الأسد من وجود وزير الدفاع الروسي وترحيبه الحار به، وبالتالي فالرسالة الروسية تشير إلى انفتاحها على مختلف السيناريوهات في سورية التي تضمن مصالحها، وربما لا يكون بشار الأسد أكثر من هدية فوق الطبخة.

 

صحيفة عكاظ

http://www.okaz.com.sa/article/1062366/

الاثنين 20 يونيو 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *