أعلنت السعودية عبر مستشار سمو وزير الدفاع العميد ركن أحمد عسيري، عزمها المشاركة في سورية بقوات برية للتصدي لداعش، ضمن قوات التحالف الدولي ضد داعش، مما يعني المشاركة تحت مظلة التحالف على أن لا تكون المشاركة ملزمة لأي من الدول الست وخمسين أعضاء التحالف.
وحقيقة الأمر أن هذا التصريح سياسي أكثر من كونه عسكريا، فهو يمثل تمسكا بالموقف السعودي الثابت من الحل في سورية، والذي ما فتئ يردده وزير الخارجية عادل الجبير، والذي يعتبر رحيل بشار الأسد ضرورة للحل في سورية، فسورية لن يكون لها مستقبل إلا بحل سياسي يخرج بشار الأسد، ويسمح بتماسك الدولة مع المعارضة المسلحة للقضاء على الإرهاب.
السعودية أعلنت أنها تقدم مقترحا لتدخل عسكري للقضاء على الإرهاب، ولم تقل إنها ستتدخل لمحاربة بشار الأسد، وهو تأكيد أن داعش تنظيم برعاية إيرانية يخدم دعاية النظام السوري، وهو الزعم الذي يستخدمه النظام دوما ليبرر قتله للسوريين بالبراميل المتفجرة، وتستخدمه أيضا روسيا في ذريعتها للتدخل في سورية، وبالتالي فإنهاء داعش في سورية هو السبيل لإيقاف آلة القتل.
في الثامن عشر من ديسمبر من العام الماضي صدر قرار مجلس الأمن 2254 بالإجماع، ونص القرار على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام والمعارضة السوريين للمشاركة «على وجه السرعة» في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي، على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع يناير 2016 «بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة».
جدية السعودية وتلاعب الأطراف الداعمة لنظام الأسد بدت واضحة منذ إصدار القرار، حيث قامت السعودية بخطوة مهمة عبر مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، حيث ضم الاجتماع أوسع طيف من المعارضة السورية، وشمل أغلب القوى المدنية والعسكرية المعتدلة، ليمثل هذا التوافق أرضية لإتمام قرار مجلس الأمن، وقطع الطريق على ادعاءات النظام بأن المعارضة مشتتة.
روسيا من جهتها حاولت التلاعب برفقة نظام الأسد، عبر ادعاءات بأن الوفد لا يمثل المعارضة تمثيلا صحيحا، وعبر وضع فيتو على جيش الإسلام وفصائل أخرى من المعارضة العسكرية المعتدلة، مع اللعب على ورقة الأكراد خصوصا المعروفين بعلاقاتهم القوية مع نظام الأسد، وهو الأمر الذي يستفز الجاره تركيا، ومفهوم من جهة الأكراد عبر صفقة محتملة تسمح لهم بدويلة، إذا ما انتهى المشروع الروسي بخلق دويلة علوية على الساحل.
بالطبع فذلكة النظام السوري كانت جلية عبر الوفد الثالث في المفاوضات، عبر تسميته وفد الديموقراطية العلمانية، هذا الوفد رفضته المعارضة بوضوح لأنه ببساطة يمثل النظام، ومن الطبيعي أن يكون ضمن وفد النظام لا وفدا معطلا لمفاوضات المعارضة مع النظام، كما أن تسميته علمانيا أتت بالأساس لوصم وفد الرياض بالإسلامي المتشدد، هذا بالرغم من أني لم أعرف علمانيا من قبل يسبح بحمد بشار الأسد.
عسكريا سعت روسيا لإفشال المفاوضات عبر تكثيف القصف على حلب وريف اللاذقية، على قاعدة تغيير الواقع على الأرض سيغير من شروط التفاوض، هذا بالتأكيد أدى لفشل المفاوضات قبل أن تبدأ، وبالتالي سمح لروسيا بشراء الوقت وهو الهدف الذي يحقق أفضل المكاسب من سورية المستقبل، وحبر الصفقات التي تمنح لروسيا لا يجف، والتي أصبح رياض حداد سفير النظام في موسكو يوقعها نيابة عن النظام كسفير فوق العادة.
ولكن الصورة ليست وردية لروسيا بشكل كامل، فنجاتها من انهيار اقتصادي نتيجة انخفاض أسعار النفط مستحيل دون تنسيق مع السعودية، كما أن شهوة التمدد لم يترك لها العنان في العراق، حيث سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا لقطع دابر داعش في العراق، مع أنباء عن حسم معركة الموصل قريبا وهي المحطة الأخيرة للتنظيم قبل المغادرة إلى سورية.
وفي الموصل أيضا مازالت القوات التركية موجودة، كل ما في الأمر انها أعادت تموضعها، ويبدو أن الولايات المتحدة أسكتت دعاوى السيادة التي كانت تصدر من العراق، لتستنكر وجود القوات التركية وتغض الطرف عن الميليشيات الإيرانية.
الأخبار السيئة بالنسبة لروسيا تأتي أيضا من اليمن، حيث بدأت معركة تحرير صنعاء الأسبوع الماضي، مما يعني خروجها من أوراق التفاوض الروسي السعودي المحتمل، وما سعت أطراف إعلامية لنشره عبر مقايضة سورية باليمن.
التطور الكبير في العلاقات التركية السعودية والذي أصبح تحالفا إستراتيجيا، يعني على المستوى السوري استعداد المملكة وتركيا للمشاركة بريا للقضاء على داعش، كما أن الترحيب الأمريكي بالقرار السعودي، يعني أن الإرادة الدولية تستجيب للجدية السعودية والتركية في محاربة الإرهاب على الأرض.
تحد مهم أمام المملكة اليوم كي تنجح في إنهاء الأزمة السورية، مرتبط بنجاحها في حل الخلاف التركي المصري، وتجاوز مراهقة «الثورة» و «الانقلاب»، هذا الأمر تحد أيضا لمصر ومدى موازنتها بين أمنها القومي في عمقها السوري وبين علاقتها مع روسيا، الإشارات الجيدة من أنقرة والقاهرة موجودة. وفي الختام السعودية تسعى لحل شامل للقضاء على الإرهاب بالفعل لا بالشعارات والمقالات.

 

صحيفة عكاظ

http://okaz.co/bwKKOdCmN

الاثنين 8 فبراير 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *