لا تساورني أية أوهام حول صعوبة التغلب على عقود من انعدام الثقة. فالأمر سيتطلب جهدا شديدا ومتواصلا لتسوية الكثير من الخلافات بين إيران والولايات المتحدة. وهذا يشمل الهواجس الخطيرة والمتزايدة للمجتمع العالمي بشأن برنامج إيران النووي الذي يهدد السلام والأمن في المنطقة وخارجها.
هذا الكلام ورد ضمن إحدى كلمات أوباما التي اعتاد على توجيهها للشعب والنظام في إيران، يوجهها أوباما عادة في عيد النيروز «الربيع»، السبت الماضي احتفل وزير خارجة أمريكا وإيران بإتمام الاتفاق والبدء في رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن إيران، والتي تلت تقرير وكالة الطاقة الذرية الذي أكد التزام إيران بالحد من برنامجها النووي.
اللافت هنا أن كثيرا من الشعب الإيراني لم يبدِ سعادة ببدء تطبيق الاتفاق كما أشارت مجلة «تايم» الأمريكية،حيث ذكرت أن الإيرانيين لم يستقبلوا البدء بتطبيق الاتفاق النووي الإيراني بما يعنيه من عودة بلادهم للاقتصاد العالمي، وما سيعكسه ذلك من رفاهية اقتصادية عليهم بسعادة كبيرة، ولم تطفُ على السطح أي مظاهر للاحتفالات العامة التي كانت عادة ما تواكب مثل تلك الاتفاقات أو التحركات في طهران، وقالت المجلة، إن سبب ضعف الترحيب بـ «يوم التطبيق للاتفاق النووي» يرجع إلى إحباط الإيرانيين بسبب الوعود الزائفة الكثيرة التي يتلقونها من نظامهم، حتى أن غالبية الإيرانيين لا يتوقعون أن يروا تحسنا في حياتهم بسبب الاتفاق.
هذا يشير بشكل جلي إلى أن الإيرانيين قبل غيرهم يدركون أن رفع العقوبات، خاصة عودة الأموال المجمدة إلى إيران لن ينعكس على رفاه المواطن الإيراني، وسيبقى البند الأول في الميزانية الإيرانية هو تصدير الثورة وحلم الإمبراطورية، وهو ما يسمح بتمرير السماح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى جميع المواقع بما فيها العسكرية، وخفض تخصيب اليورانيوم إلى معدلات لا تسمح بالوصول لقنبلة نووية، لأن جمهور المتشددين «المحافظين» لا يستطيع تحمل صدمة التخلص من حلم السلاح النووي مع صدمة أفول حلم الإمبراطورية.
أوباما قام بكل التنازلات من أجل حلم إتمام الاتفاق النووي مع إيران، معتبرا ذلك حفل الوداع الأمثل لمغادرة المنطقة، والتوجه شرقا لمناكفة الصين في وسط وشرق آسيا، أوباما تجرع السم في الأيام الأخيرة عبر استفزازات من الحرس الثوري الإيراني، وكادت أن تُفسد الاحتفال بإتمام الاتفاق، حيث قامت إيران بثلاث خطوات متتالية تؤكد أنها دولة لا تحترم المواثيق الدولية، وأنها مستعدة لخرق الاتفاق النووي قبل أن يدخل حيز التنفيذ.
كان الاستفزاز الأول عبر حرق الممثليات الديبلوماسية السعودية في إيران، مما يعني أنها لا تحترم اتفاقيات فيينا للعام (1961) و(1963)، والاستفزاز الآخر كان عبر تجربة صواريخ بالستية رغم أن البند التاسع من الاتفاق النووي الذي ينص على حظر التسليح يخص عناصر التصنيع للصواريخ البالستية لمدة ثماني سنوات، بل وصل الاستفزاز لدرجة إطلاق الصواريخ بجوار قطعه بحرية حربية أمريكية في الخليج، وكان الاستفزاز الثالث احتجاز جنود أمريكان على قطع بحرية دخلت المياه الإيرانية.
الحادثه الأخيرة والتي سبقت خطاب الاتحاد لأوباما، تجبره على إزالة إنجاز الاتفاق النووي من خطابه، بل سمحت للمرشح الجمهوري دونالد ترامب للتعليق عبر تغريدة في تويتر قال فيها: «هل تعتقدون أن إيران كانت لتتصرف بشكل قاسٍ جدا لو كانوا جنودا روس؟ لقد تم إذلال وطننا».
وبالتالي فنحن نعيش نتيجة إستراتيجية أوباما، التي عقبت إستراتيجية أحادية متشوقة للقتال في عهد سلفه بوش، ولا توجد إستراتيجية مثالية لنا في النهاية، والواجب أن نعرف كيف نستفيد من كل إستراتيجية، وكيف ننجو من الضرر من تبعاتها.
أوباما وبخطوة الاتفاق النووي سيكون بين سيناريوهين للمستقبل، الأول أن يسجل اسمه في التاريخ كريتشارد نيكسون الذي سمح للصين بالانضمام للحظيرة الدولية، وشجع على دخولها في الأمم المتحدة، وزار السوفييت ووقع عدة اتفاقيات معهم أهمها «اتفاقية عدم الاعتداء النووي»، السيناريو الأسوأ أن تقوم إيران بنفس ما قامت به كوريا الشمالية، حيث احتاجت كوريا 12 سنه لتطوير سلاح نووي من العام 1994 حين وقعت اتفاق إطار مع بيل كلينتون، حتى اختبرت أول سلاح من هذا النوع في 2006.
أوباما في أحد خطاباته للإيرانيين بمناسبة عيد النيروز، تمنى برومانسية أن يساهم الوصول لاتفاق نووي لأن تزرع إيران شجرة طيبة، وأن تقتلع أشجار العنف والعبث من المنطقة، وفي حقيقة الأمر نحن جيران إيران ونعرف ما تزرع بشكل دقيق، أما ما يعنينا كعرب وخليجيين أن لا نسمح لتربتنا بأن تنبت فيها الأشجار الإيرانية الخبيثة.

 

صحيفة عكاظ

okaz.co/m/bwKJmdBt8

يوم الاثنين 18 يناير 2016


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *