يتميز إعلام المقاومة بأنه يعمل بشكل منظم، وأقصد بذلك أن الحملات الإعلامية تكون واضحة التنسيق على مستوى الخطاب والأدوات، ومنذ آذار (مارس) الماضي والسعودية تعتبر العدو المعلن أكثر من أي وقت مضى. هذا يأتي بشكل مباشر من قدرة السعودية على تشكيل تحالف عربي لرد المتمردين الحوثيين، ويأتي بشكل غير مباشر لإحلال بديل عن الشيطان الأكبر «أميركا» التي وقع معها الإيرانيون الاتفاق النووي.
وفي الدول التي تكون المزايدة الخطابية هي أسلوب الحكم وطريقة إقناع المريدين، تكون المزايدات موجودة ومتكررة كالبهار الذي يضاف بكثرة لإخفاء سوء الطعام، ومن ذلك أن قامت إيران وسورية بإطلاق تصريحات حول المظاهرات التي خرجت في أميركا للتنديد بعنصرية شرطي من فيرغسون في ولاية ميزوري ضد مواطن أسود البشرة، وعندما يحدثك بشار الأسد عن دعوته للشرطة الأميركية لضبط النفس، بعد أن قتل ما يزيد على 300 ألف وهجَّر ما يزيد على 13 مليون سوري، فإن هذا يوجز المعنى الحقيقي للوقاحة السياسة.
وإذا ما أخذنا صادق الخصومة الإيرانية للسعودية، والحاجة الشعبوية إلى المزايدة عند مريدي تيار الممانعة، نفهم التناول الإيراني الإعلامي مع حادثة التدافع في منى، والتي قضى فيها ما يزيد على 700 قتيل وما يزيد على 800 جريح، فعلى رغم أن المصاب جلل ولا بد من المحاسبة إذا وجد من تقصير، إلا أن ما أوردته صحيفة «الشرق الأوسط» على لسان مسؤول في مؤسسة مطوفي حجاج إيران، قوله بأن قرابة 300 حاج إيراني، خالفوا تعليمات التفويج المحددة، حيث توجهت المجموعة الإيرانية للرجم قبل الموعد المحدد، ثم عادت من طريق عكسي، وهذا الارتداد العكسي يبدو السبب الرئيس للتدافع وحالات الوفاة.
هذا التحليل مقبول؛ لأن العديد من الحجاج يسرع لرجم جمره العقبة حتى يتحلل التحلل الأصغر، خصوصاً أن درجات الحرارة كانت مرتفعة جداً هذا العام، وأتمنى ألا يحمل أحد السعودية مسؤولية الحر أيضاً، ومن ناحية أخرى احتمال الشبهة الجنائية وارد؛ لأن ارتفاع عدد الحجاج الإيرانيين في الحادثة مريب ابتداءً، كذلك موقع الحادثة بين مخيمات حجاج الدول العربية، كذلك أجواء تصدير الاضطرابات التي عملت عليها إيران خلال الأشهر القليلة الماضية، من عمليات تفجير وتهريب سلاح للبحرين والسعودية، وصولاً إلى تكشف خلية حزب الله في الكويت والتي كان لديها كميات سلاح تضاهي أسلحة جيش دولة.
ولأن الأوركسترا الإيرانية إعلامياً لا تكتمل إلا بالاستماع إلى نصر الله، فكان ضرورياً أن يخرج ليعلق على حادثة «منى»، والذي خرج هادئاً للمرة الأولى منذ زمن، حيث كان خارجاً عن طوره إبان عاصفة الحزم وما تلاها، ولاسيما مع إحكام التحالف العربي للحصار الجوي والبحري ومنع وصول السلاح إلى الحوثيين وصالح، السيد حسن لم يقل جديداً عبر حديثه عن إدارة إسلامية مشتركة للحج، وهو كلام قديم مكرر لا تقبله أي دولة لديها سيادة، وغير معمول به لدى كل الدول التي لديها مزارات من مختلف الأديان، وهل للسيد أن يسمح للسعودية بأن تشارك في الإشراف على إدارة قدوم زوار العبادة لقم من الشيعة السعوديين، على الأقل حتى لا يموتوا في فندق عبر المبيدات.
بعيداً عن الحج لا يمكن الاستماع إلى حديث السيد الجمعة الماضي، إلا ويكون لافتاً حجم الارتباط بين الكذب والمقاومة، فالسيد يعتبر أن التدخل الروسي ومن ثم التغير في الموقف الأميركي، دليل على قوة النظام السوري وأنه لم يسقط حتى الآن، ولو كان النظام السوري قوياً هل كان يحتاج إلى ميليشيات السيد والحرس الثوري، وروسيا أخيراً.
التفسير الوحيد للأريحية التي كان عليها السماحة السيد، هي أن العمامة التي يرتديها بدت حمراء تيمناً بالجيش الأحمر الروسي، أملاً أن يكون ذلك مسانداً له في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جدار الأسد الآيل للسقوط، سيد المقاومة بالطبع تجاهل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لموسكو، والاتفاق على تنسيق العمليات العسكرية في سورية، وهذا دليل آخر على قوة نظام بشار وبسالة المقاومة.
صحيفة الحياة
http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/11378200
الأثنين 28 سبتمبر 2015
اترك تعليقاً