في انتظار الـ30 من حزيران (يونيو) الجاري، موعد الاتفاق النووي النهائي بين دول الخمسة زائد واحد وإيران، تقوم المملكة بالاختراق الثاني لمستقبل الشرق الأوسط بعد ٣٠ يونيو، وذلك عبر زيارة الأمير محمد بن سلمان لروسيا.
السعودية قررت إنهاء حال الفتور مع روسيا، وتوثيق العلاقات مع دولة عظمى ومهمة كانت هي الدولة الأولى غير العربية التي تعترف بالمملكة، وتقيم علاقات ديبلوماسية معها عام ١٩٢٦، حال القطيعة انتهت عام ١٩٩٠، وعادت العلاقات بين البلدين، واليوم تنتهي حال الفتور لتقوم علاقات متوازنة وموثوق بها بين روسيا والدولة الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط.
زيارة وزير الدفاع السعودي حملت اتفاقات كثيرة بين البلدين، يأتي أكثرها لفتاً للانتباه الاتفاق على بناء ١٦ مفاعلاً نووياً للأغراض السلمية، سيكون لروسيا نصيب الأسد في تشغيل تلك المفاعلات، فيما لا يمكن أن يقرأ بعيداً عن كونه رسالة إلى المتفاوضين النوويين نهاية الشهر، تقول إن المملكة بدأت تعمل للمستقبل ولا تنتظر النتائج لتقوم بردات فعل، على رغم ما يقال من هنا وهناك عن خمسة إلى سبعة عوائق للاتفاق النووي النهائي بين الدول العظمى وإيران، بالتفتيش وتفاصيل أخرى يبدو أنها للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.
ولأن هذا التطور في العلاقات أسس ليبقى، فهذا ما يفسر أن الاتفاقات بين البلدين شملت رفع عدد المبتعثين إلى روسيا من ٥٠ إلى ٥٠٠ مبتعث في العام المقبل، إضافة إلى استثمار زراعي سعودي، عبر الاستحواذ على شركات زراعية في روسيا تحقق المنفعة الاقتصادية لروسيا والأمن الغذائي للسعودية، واستثمارات في مجالات متعددة، ولكن البارز هو ما ذكره موفد العربية الأستاذ فارس بن حزام، من أن ملفات المنطقة لم تتجاوز ٢٠ في المئة من مساحة الحوار بين مسؤولي البلدين.
ويعد ذلك لافتاً لأنه يبين أن الدولتين قررتا بناء صداقة متينة واحترام الاختلافات في رؤية البلدين لبعض الملفات، وكان التوافق واضحاً بين البلدين منذ عامين في شأن الملف المصري بعد ٣٠ يونيو، واليوم يبدو أن هناك منطقة وسطاً تجمعهما حول رؤية الحل لمستقبل سورية، من بقاء النفوذ الروسي في ميناء طرطوس، وحماية الأقليات ومحاربة الإرهاب ووحدة سورية.
هذا التوافق والتنسيق كان بادياً أيضاً في اليمن إلى حد ما، عبر تمرير القرار ٢٢١٦ في مجلس الأمن من دون فيتو روسي، ومن الجانب السعودي يبدو ذلك الدعم الاقتصادي في وقت يحاول الغرب خنق روسيا اقتصادياً، للحد من تدخلها في شرق أوكرانيا، مع إدراك الجانب الروسي أن اللهث الإيراني نحو واشنطن سيكون لمصلحة الشركات الأميركية على حساب الروسية.
اليوم، السعودية تؤكد أنها دولة كبيرة تستطيع تنويع تحالفاتها، فيما يهدف في النتيجة إلى حماية مصالحها وأمن المنطقة العربية، كان ذلك عبر الاختراق الأول بحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قمة مجلس التعاون الخليجي، والتزامه الكامل بأمن الخليج واعتبار أمن الخليج من أمن باريس، وما أبداه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من أن الاتفاق النووي يجب أن يكون حائلاً دون وصول إيران إلى سلاح نووي.
السعودية وكل دول العالم – عدا كوريا الشمالية – حريصة على علاقات مع الولايات المتحدة، ولكن السعودية بوصفها دولة كبيرة في تأثيرها الاقتصادي والسياسي وكذلك العسكري، كما نشهد في قتال الحوثيين وصالح في اليمن، تبحث عن مصالحها وتعرف كيف تحافظ عليها بتنوع تحالفاتها، لأن الخاسرين وحدهم يضعون البيض في سلة واحدة.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/9604371
الاثنين 22 يونيو 2015
اترك تعليقاً