في الجزيرة العربية خلال القرن الـ20، كانت لنا علاقات مع تركيا بحكم الخلافة العثمانية، ومع بريطانيا أيضاً بحكم الاستعمار لعدد من مناطق الخليج، ومع ظهور النفط في أرض الجزيرة بدأت العلاقات الخليجية-الأميركية.

أميركا بقيت القطب الأوحد في العالم اليوم، وإن انحسر دورها، ولاسيما في منطقة الخليج والجوار الروسي، أما بريطانيا فما زالت دولة مهمة وأحد الدول الخمس ذات المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، ولها دور أضعف من أميركا في الخليج، وعُدَّ تابعاً للولايات المتحدة.

هذا الأمر قاله صراحة الدكتور مصطفى العاني لمجلة التايمز، إذ قال: «هناك شعور عندما تتعامل مع الأميركان، بأن الأمر يبدو كأنه عرض لشراء واحدة والأخرى مجاناً»، وقد أضاف تعليقاً مهماً حول مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، إذ قال: «هناك رومانسية في العلاقة مع بريطانيا في الشرق الأوسط بحكم التاريخ، نحن لن نخسر ذلك، ولكن في ما يخص السياسة نحن لا نعرف موقف بريطانيا تحديداً، الفرنسيون لديهم صوت ونستطيع سماعه بوضوح.

إذاً، يلح على الأذهان السؤال عن الوافد الجديد وبقوة لمنطقة الخليج، لدرجة أنه الرئيس الغربي الأول الذي يحضر قمة خليجية، فرنسا عُرف نفوذها في أفريقيا وبلاد الشام، ولم تكن موجودة تاريخياً في منطقة الخليج، فلماذا غيرت البوصلة اليوم وما ثمن ذلك على الخليجيين والفرنسيين؟

عند العودة إلى تاريخ العلاقات الخليجية-الفرنسية، ولاسيما السعودية-الفرنسية نجد أنها ليست وليدة اليوم، إذ بدأت العلاقات بشكل بروتوكولي عبر تبادل السفراء في عام 1939، وأصبحت العلاقة وثيقة منذ ١٩٦٧، إذ كان اللقاء المهم للملك فيصل مع الرئيس الفرنسي شارل ديغول، وكانت هناك رؤية مشتركة لعدد من ملفات المنطقة، ولاسيما حول القضية الفلسطينية.

وكان للفرنسيين دور بارز في أزمة الحرم المكي في عام 1979، وسبق ذلك زيارة الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان للرياض عام 1977، إذ التقى الملك خالد وعبَّر عن رؤية فرنسية حول فلسطين، والتي تعتبر أي تسويه في هذا الملف يجب أن تقوم على أساس انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة على حدود 1967، وحدث نقاش وتنسيق دائم حول الحرب الأهلية في لبنان، حتى نجحت المملكة في إيقاف الحرب عبر اتفاق الطائف.

وتعد مرحلة الرئيس جاك شيراك من أقوى مراحل العلاقات السعودية-الفرنسية، إذ تصدى للحملات الإعلامية التي هاجمت السعودية بعد أحداث ١١ سبتمبر، ورفض النفخ في النار الأميركية المهاجمة للسعودية، وصولاً إلى الموقف الثابت والمستقل عن القرار الأميركي بإسقاط النظام في العراق ٢٠٠٣.

وقد كان الدعم من السعودية وفرنسا واضحاً للصديق المشترك رفيق الحريري، والذي حمل مشغل التعمير في لبنان، ولاسيما بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من لبنان في عام ٢٠٠٠، وهو ما خلق رؤية واحدة ومتشددة من حادثة اغتيال الحريري، والذي يمثل ذروة التدخل السوري في لبنان ومصادرة قرار اللبنانيين، وبالطبع الموقف نفسه من مغامرة ميليشا حزب الله الذراع الإيرانية في لبنان عام ٢٠٠٦.

الفرنسيون يتفقون مع الخليجيين في ملفات ويتفقون في أخرى بطبع الحلفاء، لكن الكلمة التي عبَّر عنها الرئيس فرنسوا هولاند باعتبار فرنساً حليفاً موثوقاً به للخليج هو تعبير دقيق، إذ كانت فرنسا واضحة في دعمها لمصر بعد «30 يونيو»، ومتفقاً مع الرؤية السعودية، وأكدت عليه عبر دعمها العسكري بطائرات الرافال، وكذلك فعلت مع قطر، وكان موقفها من الصراع في اليمن حازماً وحاسماً، باعتبار ما يصيب الخليج يضر باريس.

فرنسا تعاني أحياناً من مشكلات اقتصادية، ولكنها تملك ثقلاً سياسياً يدعم هذا الاقتصاد، الأميركان مثلاً يدَّعون العداء لإيران في الحرب الخليجية، ولكن تخرج فضيحة تسليحهم عبر صفقة إيران جيت، الألمان استضافوا يحيى الحوثي لأعوام ويملكون ضبابية كبيرة في رؤيتهم للملفات الخارجية، ونادراً ما خالفوا الأميركان في رؤيتهم، الفرنسيون مستقلون كما قال هولاند وكذلك السعودية مستقلة، وهذه أهم رسائل الخليجيين إلى أوباما في كامب ديفيد.

 

صحيفة الحياة

http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/9131851

الاثنين 11 مايو 2015


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *