بعد أسبوعين من سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة شمال العراق ووسطه وغربه، بينها مدن رئيسة، مثل الموصل وتكريت، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري في زيارة لبغداد؛ دعماً للحكومة العراقية في التصدي للإرهاب، بعد تكشف وهن الجيش العراقي وفضيحة الحكومة العراقية عبر صفقات التسليح الوهمية.
وفي اليوم التالي لزيارة بغداد توجه كيري إلى أربيل في زيارة غير معلنة، سعى من خلالها من أجل إقناع الأكراد بالمشاركة في الحكومة الجديدة، ما كان يسعى من خلاله الأميركان لتوحيد الصف العراقي في التصدي لتنظيم داعش، وحاول إقناع الأكراد من خلال المشاركة في الحكومة لحلحلة الخلافات النفطية مع الحكومة المركزية، وموضوع النفط كان موضوعاً خلافياً كبيراً في آخر فترة المالكي.
أما مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق فقد استبق زيارة كيري، بالحديث عن أن الوقت حان لاستقلال كردستان العراق، معتبرين أن كردستان نموذج متقدم ومستقر وخطا خطوات في سبيل التنمية، ومن ثم لا شيء يربطه بالعراق الذي تراجع للخلف كثيراً منذ 2003، وأنهكته الصراعات الطائفية عبر التدخلات الإيرانية.
وقد كان أحد أكبر خطوات الأكراد في تأمين مستقبل الدولة الاقتصادي، هو محاولة السيطرة على كركوك أحد أغنى المدن العراقية بالنفط، والتي يعتبرونها عاصمتهم التاريخية، والاستحواذ عليها يضمن لهم إيرادات نفطية تتجاوز أي إيرادات ممكنة من بغداد، ولهذا تحركت قوات البيشمركة للسيطرة على كركوك بعد سيطرة «داعش» على مدن عراقية.
وقد نشرت مجلة «فورين بولسي» قبل زيارة كيري إلى أربيل بـ12 يوماً، بعنوان «انتقام الأكراد» بدأه الكاتب بعبارة: (وسط الأنقاض في العراق من جراء الدمار الذي سببه المتمردون الإسلاميون، يبدو أن مجموعة واحدة هناك تستعد للاستفادة من ذلك)، وبالطبع يقصد الأكراد، والحقيقة أن الفهم للقضية الكردية لا يأتي من دون فهم للدعم الأميركي للأكراد منذ عهد صدام حسين، والحظر الجوي فرضه الأميركان على جنوب العراق وشماله.
كما أن العلاقات الكردية-الأميركية لا يمكن فهمها من دون ربطها بعلاقات الأكراد بإسرائيل، وهي علاقات قديمة ومتينة، ولهذا فاللوبي الصهيوني في أميركا دائماً ما يدعم الأكراد، في حال تشابه حالة جنوب السودان، ونذكر أن أول دوله زارها رئيس جنوب السودان سلفاكير هي إسرائيل، وقال حينها للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز: «لولا أنتم ما كنا»، امتناناً لاعتراف إسرائيل بدولة جنوب السودان بعد ساعات من إعلان انفصالها.
نذكر هذا التاريخ من الحلم الانفصالي للعديد من الأثنيات والطوائف في العالم العربي، كمثال على فشل الدولة العربية بشكلها الحالي في تحقيق المواطنة، هذا يتضح في العراق بين صدام حسين والمالكي ونسخته المخففة العبادي، لكن في العراق أيضاً مطالبات الانفصال هي دليل واضح على فشل الأميركان في العراق من 2003 وحتى اليوم، فلا هم زرعوا الديموقراطية كما بشَّر بوش، ولا استطاع أوباما أن يسحب جنوده ويبقي العراق متماسكاً، أو على الأقل قادراً على التصدي للإرهاب.
اليوم، وبعد جرائم الحشد الشيعي المسمى «الشعبي» في تكريت والعوجا وبقية المحافظات السنية، يبدو أن هناك إدراكاً لفشل الإستراتيجية الأميركية في العراق وانعدام الثقة في الحكومة المركزية، المرتهنة بشكل كامل للقرار الإيراني، وهو ما دفعها إلى التلكؤ في تسليح العشائر عبر الحرس الوطني، واعتماد الطائفية سبيلاً؛ لتحرير المناطق السنية من «داعش».
هذا ما يفسر مشروع القانون الذي يناقشه الكونغرس الأميركي عبر السماح بتسليح العشائر وقوات «البيشمركة» في شكل مستقل عن بغداد، بل وصلت بالفعل شحنات أسلحة أميركية للكويت، ستُوزع على العشائر قريباً، وما زيارة مسعود برزاني لواشنطن لمناقشة المسؤولين الأميركان حول الاستقلال، إلا تأكيد على أن السياسات العبثية دفعت المكونات الثلاثة في العراق لتكون «على مود الاستقلال».
ولا تسأل، أين غاب العرب عن أربيل؟
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/8969543
الاثنين 4 مايو 2015
اترك تعليقاً