منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وصولاً إلى عهد أكثر أبنائه شبهاً به الملك سلمان، وقدر المملكة العربية السعودية أن تعيش في منطقة قلاقل، حروب في الشمال والجنوب، وصراع عربي-إسرائيلي، وثورة ترغب عمائمها في تصديرها من شرق الخليج العربي. التحديات امتدت إلى الداخل -أيضاً- عبر تحدي التنمية والاستثمار في المواطن.
في عام 2003، عندما قررت الولايات المتحدة القضاء على نظام صدام حسين، كان جلياً لدى القيادة السعودية أن أميركا تسعى إلى زرع الطائفية في المنطقة، وإيجاد دول فاشلة ولو كانت غنية كالعراق، تمهيداً لمشروع كونداليزا رايس، الذي يستهدف تقسيم الشرق الأوسط، وهو ما يسهِّل انسحاب الولايات المتحدة من الخليج والذهاب إلى آسيا الوسطى وشرقها لمناكفة الصين، وسايس بيكو جديد بدول أصغر مبنية على أساس عرقي وطائفي، هو النموذج الأمثل؛ للحفاظ على أمن إسرائيل.
وعلى رغم هذه التحديات التي تواجه المملكة في الداخل والخارج، إلا أنها أسست لانتقال الحكم بشكل سلس، يعكس استقرار النظام وقدرته على التعامل مع التطورات، بدأ ذلك الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بالنظام الأساسي للحكم، وتلاه أخوه الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتأسيس هيئة للبيعة، وخلال العقد الأخير تعاملت الهيئة بكل سلاسة مع رحيل ولي العهد الأمير سلطان وشقيقه الأمير نايف، وصولاً إلى انتقال الحكم بسرعة فائقة إلى الملك سلمان، والذي أسس بقراراته الأخيرة مرحلة انتقال الحكم إلى الجيل الثالث.
فقد تم اختيار الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، صاحب رصيد من النجاحات الأمنية والعمليات الاستباقية، والتي تصدت لأيادي الإرهاب التي ما فتئت تستهدف الأمن ورجاله، كما أنه شغل منذ بداية عهد الحزم قيادة مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وقد شهدنا أثر الزيارات والتنسيق قبيل بدء «عاصفة الحزم» بين الجزائر ولندن وغيرهما، وهو ما أدى إلى النجاح بتشكيل تحالف يضم تسع دول عربية في التصدي للمشروع الإيراني، عبر حليفها الحوثي في اليمن.
«عاصفة الحزم» أيضاً أتت لنا بالأمير الشاب محمد بن سلمان، والذي كان شعلة من النشاط متنقلاً بين القوات في الشمال والجنوب، كما أنه أثبت حزماً ورثه عن والده في رئاسته لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، تجلى ذلك عبر إقالة وزير الإسكان بعد فشله في تقديم عرض يبين فيه خططه، إضافة إلى تأخره في وضع حلول لمشكلة الإسكان في المملكة، الحزم -أيضاً- طاول وزير الصحة لعدم حديثه مع مواطن بالشكل اللائق، تلاه تكفل الأمير بعلاج المريض على حسابه.
الاهتمام بالمواطن عبر إيقاف كل صوت عنصري كائناً من كان، والمعاقبة لكل مقصر مع المواطنين، وهو ما جعل الوزارة في عصر الحزم تكليفاً لا تشريفاً. قدرة المملكة على الانتقال السلس والتحول دولة فتية بشبابها، هو إشارة على قدرتها على البقاء قوية -بفضل الله سبحانه-، إذ أثبتت أن قوتها السياسية والعسكرية هي الكفيلة بالتصدي للأخطار التي تحدق بها، بل والتصدي لما يضر العمق العربي ضمن مشروع التقسيم، كما شاهدنا في مصر والبحرين واليمن.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/8881272
الاثنين 30 أبريل 2015
اترك تعليقاً