بمجرد أن انتهى المفاوضون الإيرانيون، في لوزان، من توقيع اتفاق إطاري بينهم وبين القوى الخمس الكبرى وألمانيا؛ انطلق الإيرانيون فرحاً في شوارع طهران، وكأنهم حصلوا على حق استضافة كأس العالم، بل كأنهم ربحوها، ويرجع الفرح الإيراني الشعبي إلى طبيعة التعاطي الإعلامي الإيراني مع مسألة الاتفاق النووي، وما ينتظره الشعب الإيراني من رفع للعقوبات، والتي تضرر منها المواطن الإيراني بشكل رئيس.
جزء من الفرح الإيراني سببه الجدية والإقبال الشديد من إدارة أوباما على إتمام الاتفاق، إذ إن أوباما بعد فترتين من الحكم، لا يجد إنجازاً يكتبه في مذكراته، سوى التوقيع مع إيران على اتفاق يمنعها من الحصول على سلاح نووي في مدى 10 إلى 25 عاماً، والمنجز الآخر هو إعادة العلاقات مع كوبا، ليكرس فكرة أنه الرئيس الذي انفتح على العالم، وربما لو بقي فترة ثالثة لن يخرج بمنجز سوى إعادة العلاقات مع كوريا الشمالية.
إن الإيرانيين استفادوا من حرص إدارة أوباما على الخروج باتفاق، وكانوا مدركين بأن أي رئيس يليه -ولا سيما لو كان جمهورياً- سيقلل حظوظهم بالحصول على اتفاق، الإيرانيون أيضاً أعدوا العدة للاستفادة من رغبة أوباما في سحب جنوده من العراق وأفغانستان، ليكون تمدداً لإمبراطورية فارسية، اعتقدوا بأن الضعف الأميركي لن يأمر بها ولن تسوءَه.
الإيرانيون افترضوا أن الاتفاق على النووي وعلى المنطقة، ولذلك كان تمويل التمدد العسكري للحرس الثوري، مستمراً وبكثافة ولا سيما في العراق واليمن، إذ اعتقدوا بأن مساحة سيطرتهم الجغرافية في المنطقة، ستجعل موقفهم أقوى في المفاوضات، ومن هنا نفهم إسراعهم في إرسال كميات كبيرة من السلاح للحوثيين بحراً وجواً، لإكمال الطوق حول دول الخليج.
صفعة «عاصفة الحزم» كانت موجعةً جداً، ولا سيما أنها تمت تحت تحالف لم يستغرق وقتاً كالتحالف ضد «داعش»، وتحالف أُعلن عنه بعد القصف ولم يعرف قبله، لم يتوقع أحد أن تتحرك بهذه السرعة والحزم، وأن تستمر في دعمها للحلول السياسية في اليمن، بعد تقديمها للمبادرة الخليجية، ثم تأييدها لأي اتفاق يُجمع عليه اليمنيون، وأن تقف متفرجة على إيران، وهي تسلح الحوثيين وهم يتمددون على كامل التراب اليمني العربي.
«عاصفة الحزم» أفسدت الاحتفال الإيراني بالاتفاق الإطاري، وكان الغضب واضحاً عبر التصريحات الإيرانية المباشرة، أو عبر عملائها في الإعلام العربي، ولا سيما لبنان، التي يقاتل منها حزب الله في سورية، مرة بعذر حماية المراقد الشيعية، ومرة بعذر حماية الحدود والمواطنين اللبنانيين المقيمين في قرى الحدود، وتبين لاحقاً أنهم يقطعون رؤوس الأطفال في حمص لغل في نفوسهم ضد السنة، لرواية تاريخية سيئة الذكر، ثم يخرج أمين الحزب لينتقد عاصفة الحزم ويطالب بحلول سياسية، وكذلك يفعل صحافيو شارع القدس ببيروت إذ مقر السفارة الإيرانية.
وكانت دعايتهم فاشلة عبر محاولة شيطنة عاصفة الحزم؛ باعتبارها هجوماً أميركياً على اليمن، حتى لا تقع في يد من شعاره «الموت لأميركا» أي الحوثي، وهذه الرواية تفتقر إلى المنطق؛ لأن هذا السلاح الذي يحمل هذه العبارة أتى من إيران، التي لم يجف حبر اتفاقها الإطاري مع أميركا، ولا طويت صور الاحتفالات من طهران.
الماء البارد الذي صُب على الإيرانيين لم يأت من «عاصفة الحزم»، بل من المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي حين قال: «ليست هناك أي ضمانة» باتفاق نهائي مع القوى العظمى في شأن البرنامج النووي الإيراني، وأضاف: «قد يكون الجانب غير الموثوق به (القوى العالمية الست التي تفاوض على الاتفاق)؛ يسعى إلى تقييد بلدنا في التفاصيل».
صدمة خامنئي من «عاصفة الحزم»، والصدمة الأكبر من التصريحات الأميركية المؤيدة لها، أفسد الشعور العام الذي حاولت إيران تحويله إلى قناعة لدى شعوب المنطقة وشعبها، وهو أن نجاح المفاوضات يعني أن المنطقة منحت لنا. خامنئي يدرك أن الاتفاق إطاري، وأن أمام أوباما صعوبة تمريره في الكونغرس، ولكنه يدرك أنه اتفاق ذل يشبه الذي وقَّعه الخميني لوقف الحرب مع العراق، وأن الاتفاق حقيقة يعني منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ودفن شعار الموت لأميركا بجانب جثث الحرس الثوري العائدة من سورية والعراق وربما اليمن.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/8524138
الاثنين 13 أبريل 2015
اترك تعليقاً