تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري الصادم للبعض، عبر إشارته إلى أن الحوار مع الأسد ضروري؛ لإنهاء الأزمة في سورية، بدا وكأنه مشهِّيات على مائدة الحوار الإيراني-الأميركي حول الملف النووي.

وحتى التراجع الذي حاول أن يبديه حول زلة اللسان، مبرراً أنه يقصد التفاوض مع نظام الأسد وليس شخص الأسد هو تبرير لا ينطلي على أحد، فمنذ «جنيف 1» والنظام السوري طرف في الحوار، وكان البحث عن مخرج سياسي للأزمة في سورية، يكون الأسد خارج اللعبة فيها، وتبقى مؤسسات الدولة قائمة.

وحقيقة الأمر أن كيري وسياسة أوباما عامة يريان في سنتها الأخيرة، أن الجائزة الكبرى هي توقيع اتفاق مع إيران، واقتنعت أو كانت مقتنعة منذ البداية بأنَّ منْح إيران نفوذاً في المنطقة هي تفاصيل في الحوار مع إيران، وليس موضوعاً مستقلاً للحوار، هكذا أراد الإيرانيون، وهكذا رضخ أوباما؛ أملاً في تحقيق الجائزة الكبرى من دون قتال.

كيري الذي أرهقه السفر حيناً لدفع المفاوضات مع إيران للنجاح، بالضغط على فرنسا وعلى إيران؛ للوصول إلى نقطة اتفاق، وأحياناً بزيارات لتطمين الخليجيين، وإن كان الخليجيون عادة لا يطمئنون إلا إلى الأفعال، والسعودية تحديداً تعمل بشكل حثيث؛ لتطوير قدراتها العسكرية بالشكل الذي يسمح لها بالدفاع عن مصالحها، رأينا ذلك في مناورات سيف عبدالله، وفي التدريبات المتتالية، سواءً من قوات سعودية أم مع قوات من باكستان والإمارات ومصر والأردن.

هذه القناعة الأميركية بأن إيران شر لا بد منه، وأن مخالبها في المنطقة قابلة للتقليم بحسب مواءمات هنا أو هناك، كان راسخاً منذ بداية الأزمة السورية، واستخدام لغة أقل حدة من تلك المستخدمة مع مبارك في مصر، أو في بقية دول «الربيع العربي»، ولكن سيرجي لافروف كان أكثر صراحة من الإدارة الأميركية، الذي صرح حين تعرض لإحراج من صحافيين بدعم نظام دموي في سورية، يندد به الجميع، فقال حينها إن رؤيتنا المعلنة حول سورية لا تختلف عما يقوله الغرب في الغرف المغلقة، قبل أن يزل به كيري أخيراً.

تصريحات كيري التي لا تعدو كونها شراءً للوقت حتى يتم الاتفاق، ومنح فرصة للأسد ليدك ما بقي من سورية بالبراميل المتفجرة، سبق أن سميته في مقالة قبل عامين «خياط الكفن»، إذ إنه مسؤول مسؤولية كبيرة عن أكثر من 200 ألف قتيل في سورية وملايين المهجرين.

في هذا السعي الحثيث لإتمام الاتفاق، نما لدى الأميركان قناعة بأن الميليشيات الإيرانية هي وحدها القادرة على وأْد داعش، متناسين أن تنظيمي «داعش» أو «القاعدة» أو أي كانت مسميات الإرهاب، هم تعبير عن فكرة متطرفة تترعرع في مناطق الطائفية البغيضة، ولاسيما إذا ما كان الإرهاب المقابل «الشيعي»، يقوم بممارسات تنتهك كرامة المواطن السني.

«داعش» يدمر الآثار في الموصل، و«القاعدة» دمرتها من قبلُ في أفغانستان، واليوم ميليشيات الحشد الشعبي، تدخل تحديداً إلى البوعجين وإلى الدور بلدة عزت الدوري نائب الرئيس العراقي، وقبلها دخلت تكريت ودمرت قبر صدام حسين، وأي استفزاز للسنة أكبر من ذلك.

المفهوم الغائب هو: أن الإرهاب الشيعي من الحوثيين إلى حزب الله والحشد الشعبي، لا يستطيع منعه إلا بقرار من إيران، والإرهاب السني لا يستطيع التصدي له، إلا أهل السنة إذا ما لقوا عدالة، كما كانت تجربة العشائر العراقية حين فهم بوش أن الصحوات هي الحل؛ للتخلص من «القاعدة»، ولكن يبدو أن أميركا ستعين قاسم سليماني مبعوثاً أممياً في العراق، على شاكلة بن عمر في اليمن.

 

صحيفة الحياة

http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/8202282/

الاثنين 23 مارس 2015


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *