اعتادت الحركات الإسلامية السنية والشيعية -وأعني تحديداً نظام الخميني وحلفاءه حزب الله وحركة الحوثيين شيعياً، وجماعة الإخوان المسلمين سنياً- على ازدواجية الخطاب، واستخدام خطابات مختلفة بحسب الشريحة المستهدفة، خطاب يخاطب به الجمهور، وخطاب يخاطب به الشعب، وخطاب يخاطب به الغرب.
فنرى السيد حسن نصر الله يتوعد الغرب بالويل والثبور، ولكنه يرسل خطاباً سرياً عبر قوات الأمم المتحدة بأنه لا يرغب في مزيد من التصعيد، بعد أن رد على ضربة القنيطرة، التي أوجعت إيران وحزب الله على حد سواء، بعملية من جنوب لبنان، ولاسيما بعد توعد إسرائيل بأن ردها سيكون عنيفاً كما حصل في غزة، وبالطبع أراد الحزب من عملية شبعا حفظ ماء الوجه، ولاسيما لدى جمهوره الناقم، ومن الشعب اللبناني الذي ما فتئ يستقبل توابيت القتلى المشاركين في سورية.
ونرى كذلك أنصار عبدالملك الحوثي، والذين يسمون نفسهم زوراً «أنصار الله»، يحملون لافتات تحمل عبارات «الموت لأميركا»، على رغم أنهم أول ما فعلوا حين دخلوا صنعاء أن أمَّنوا البعثات الديبلوماسية، ناهيك عن الصمت الأميركي المريب لتمدد الانقلاب الحوثي، حتى فضحهم جون كيربي متحدثاً عن «البنتاغون»، إذ ذكر في 28 يناير الماضي أن واشنطن تجري محادثات مع ممثلين عن المتمردين الحوثيين في اليمن.
ثم تلا ذلك، وتحديداً في الثاني من شباط (فبراير) الجاري، استهداف طائرة من دون طيار، لسيارة كانت تقل أربعة من عناصر تنظيم القاعدة وسط اليمن، وهذا أمر لا يستطيعون إنكاره إلا على طريقة علي عبدالله صالح المضحكة، حين ذكر في مقابلة سابقة أن لا وجود عسكرياً أميركياً في اليمن، وعندما سأله المذيع: عن ضربات الطائرة دون طيار، أجاب بأنه مسؤول عن الأرض لا عن السماء.
ومع انتقال الحكم بطريقة سلسة في المملكة، والتي سببت، بالطبع، حنقاً إيرانياً رأيناه عبر تصريحات إمام طهران ورئيس مجلس تشخيص النظام، ورأيناه عبر إخوان في مصر وفلسطين منعوا الأئمة من صلاة الغائب على فقيد الأمة الملك عبدالله، تحولت المواقع التابعة لإيران ولتنظيم الإخوان لاختلاق كذبتين، مستغلين حادثتي رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والأخرى عن حادثة سقوط الطيار الأردني معاذ الكساسبة أسيراً في يد التنظيم الدموي داعش.
أما عن سقوط الطيار الشجاع معاذ الكساسبة والذي مات واقفاً، ونيران المجرمين تتجه إليه، فقد نُسجت قصةً تشير إلى مدى حنق الإخوان من دولة الإمارات، وموقفها الداعم لمصر والمصريين بعد ثورة 30 يونيو، وكانت الرواية المزعومة تشير إلى أن معاذ الكساسبة كان يطير ضمن سرب تقوده الرائد طيار مريم المنصوري، وأنها من وجهت معاذ ليطير على ارتفاع منخفض، فطاوله صاروخاً حرارياً من داعش، ولم يسكتوا عند هذا في الرواية، لأن «الإخوان» لا بد من أن يضيفوا ما يعتقدونه بهاراً، فتكون الرواية كذباً صريحاً لا يقبلها عقل، حين أضافوا أن مريم امتنعت عن منح القيادة إحداثيات معاذ لمدة ساعة حتى ينقذوه، وهذا أمر مستحيل في القيم العسكرية.
أما الكذبة الثانية، فأتت من محاولة تجيير حضور أردوغان وأمير قطر لصلاة الجنازة على الملك عبدالله، كإشارة إلى ذهاب السعودية إلى تحالف مع قطر وتركيا ضد النظام الحاكم في مصر، وما لحق بالرواية من حشد لمزيد من العنف والقتل في مصر تزامناً مع ذكرى 25 يناير، على رغم أن شيخ قطر لم يغب عن الرياض أبداً، وكذلك الملك سلمان كان أول زائري مصر مباركةً للسيسي بتوليه الحكم، بل الغريب سرعة أوردغان ورغبته، بخبث الإخوان المعهود، في إيجاد أي وسيلة لطلب الود والرضا السعودي.
أخيرا، أُذكِّر جهلة التاريخ ومعتاشي التزوير، أن السعودية حكمها تاريخياً ولي العهد بعد رحيل كل ملك، ولا جديد، فكلهم حافظوا على وصية الملك المؤسس بمصر، والملك سلمان قال في 1987 في القاهرة: «إن ما بين مصر والسعودية علاقات وصلات على قواعد راسخة، بناؤها الوفاء وعمادها الاحترام المتبادل».
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/7285963/
الاثنين 9 فبراير 2015
اترك تعليقاً