منذ نهاية الاستعمار للعالم العربي ظهرت دعوات كثير للوحدة العربية، كانت حيناً بشعار القومية العربية، وتشكل ما سمي «الجمهورية العربية بين مصر وسورية»، ولكن هذا الاتحاد كان من الهشاشة أن سقط خلال عامين، وأدرك السوريون جيداً أن عبدالناصر يريد وحدة عربية هو زعيمها، ومن ثم هي وحدة استحواذ لا وحدة مشاركة وتكامل.

وبعد أن فشلت الوحدة بين مصر وسورية، وجد عبدالناصر في دعوات الجمهوريين في اليمن، فرصة لوحدة أخرى بين دولتين عربيتين، تسمح له بالقضاء على الإمام محمد البدر حميد الدين، ودعم انقلاب المشير عبدالله السلال عبر إرسال 60 ألف جندي مصري، وبالطبع كانت اليمن مقبرة للجنود المصريين، الذين مات نصفهم في تضاريس الجبال اليمنية، والنصف الآخر أصيب بالإحباط واعتبرها ليست حربه، وكان تدخل عبدالناصر في اليمن سبباً رئيساً لخسارة 1967، وبدلاً من الوحدة خسرت مصر شبه جزيرة سيناء في تلك الحرب.

وسيطرت الدول الكبرى على الدول الأصغر في عالمنا العربي، دائماً يسمح بها الصراع الذي يحدث في الدول الصغيرة، وكما كان الخلاف داخل اليمن محفزاً لدخول عبدالناصر، كان الاقتتال بين اللبنانيين هو البيئة المثالية لتدخل سورية في الشأن اللبناني، حتى أصبح القرار اللبناني يصدر من دمشق وما زال، فلا رئيس إلا بمواصفات ترضى عنها سورية، ولا برلمان يجتمع إلا بموافقة سورية على نتيجة التصويت، ومن يعترض على «تلازم المسار» السوري اللبناني فمصيرة القتل، سواءً أكان اعتراضاً سياسياً كرفيق الحريري، أم حتى اعتراضاً بالكلمة مثل سمير قصير وجبران تويني.

والخلل الرئيس في مفهوم العرب للوحدة، هو رفض قبول المختلف، حتى ولو كان ابن جلدتك، ودائماً ما كان جنون القوة العسكرية في الدول الشمولية، سبباً في كون العقليات الديكتاتورية تعتبر الحوار ترفاً، عدا الحوار الذي يحدث والمسدس على الطاولة، ويمثل هذه الذهنية بوضوح احتلال صدام حسين للكويت، ثم التمادي في الوقاحة عبر قوله «عاد الفرع للأصل»، ومجدداً كان هذا التدخل سبباً لما وصلت إليه العراق اليوم، إذ أصبح عراق العروبة وإحدى الدول المؤسسه للجامعة العربية، فرعاً لطهران شمال الخليج بكل أسف.

وفي فترة نفسه غزو صدام حسين للكويت، كان أن أعلنت اليمن الوحدة بين شطرها الشمالي وشطرها الجنوبي، عبر اتفاق رئيس الجمهورية العربية اليمنية «حاكم الشمال» علي عبدالله صالح، مع رئيس جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية علي سالم البيض، وأعراض متلازمة الإلغاء والخلاف العربية نفسها كانت موجودة، فالجنوب كان مشتعلاً بين أطراف عدة ، وأراد البيض إقصاء خصومة عبر التوقيع على اتفاقية الوحدة، وحصوله على منصب نائب رئيس جمهورية الوحدة.

الحديث عن اليمن مهم اليوم؛ لأن الحوثيين وأنصار علي عبدالله صالح حاولوا الانتقام من كل خصومهم في جمهورية الشمال، ولكنهم أيضاً جددوا الشوق الجنوبي للانفصال، وعادت ذكريات 30 نوفمبر تدغدغ مشاعر العدنيين والحضارم وبقية مكونات يمن الجنوب. اليوم مطالبات الجنوبيين سلمية.. فهل ستبقى كذلك؟

هل سيكتفي أنصار صالح وحزب المؤتمر بالشمال فقط؟ وهل سيسهل التخلي عن خيرات الجنوب؟

هذه أسئلة مهمة في مصير اليمن ولاسيما الجنوب، وقد يرى الجنوبيون أن الانفصال هو الحل الطبيعي، ولكن هل يملك الجنوبيون قدرة الحوار والمشاركة، أم سيبدأون الاقتتال فيما بينهم بمجرد الانفصال؟ كما حصل في جنوب السودان، وتبدأ مشاريع تقسيم المقسم.

 

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/6262603

الاثنين 15 ديسمبر 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *