لم أذكر أن مرت قمة خليجية إلا وقيل في وصفها أنها تأتي والمنطقة تمر في ظروف دقيقة والتحديات الأمنية كبيرة في المنطقة، فمجلس التعاون الخليجي الذي كان أحد أساسات تكوينه هو التصدي للأحلام التوسعية الإيرانية بتصدير الثورة إلى دول الخليج العربي، كانت النيران دائماً مشتعلة في جواره، بدءاً بثمانية أعوام من الحرب العراقية – الإيرانية، أفاق منها على غزو الكويت.
وبالطبع، تظهر دائماً المواضيع العربية التي لم يكن الخليجيون يوماً بمنأى منها، وعلى رأسها قضية العرب الأولى فلسطين، خصوصاً في القمة الرابعة التي استضافتها الدوحة في عام 1983، حين أعلن المجلس الوقوف صفاً خلف منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وعبر عن قناعته بأن السلام لن يتحقق في منطقة الشرق الأوسط إلا بتمكين الشعب الفلسطيني بقيادة منظمته، من نيل حقوقه الوطنية الثابتة بما في ذلك حقه في العودة وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
الجديد في هذه القمة يأتي من ناحية مقدماتها، إذ إن الخلاف دائماً كان موجوداً بين دولتين على موضوع معين، وكثيراً ما كان المجلس منقسماً على مواضيع كالاتحاد أو العملة الموحدة، وهذا طبيعي وفق تقدير كل دول لمصالحها الخاصة ومدى تكاملها أو تعارضها مع المصلحة العامة للمنظومة الخليجية، لكن خلاف الأمس القريب كان أكثر حدة، ووصل إلى سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة، والتلويح بخطوات تصعيدية منها تجميد عضوية قطر، وكان أن طلبت الكويت تمديد رئاستها للقمة عاماً آخر، تفادياً للتحفظات الخليجية عن حضور القمة في الدوحة.
لكن تحرك خادم الحرمين الشريفين وتحول السعودية من طرف في الخلاف إلى مذيب له، بين الإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، أتى بعد إدراك حجم الأخطار الأمنية التي تحيط بالخليج والعالم العربي ككل، وبعد التأكد من فشل الوساطات الأخرى بين الفرقاء الخليجيين.
في إدراك عميق لخطط التقسيم عبّر عنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز مراراً خلال منعطفات «الربيع العربي»، دعا خادم الحرمين إلى التضامن العربي الذي لا بد من أن يكون أساسه «خليج موحد ومصر قوية». وجاءت كلمته موجهة إلى مصر شعباً وقيادةً لطي صفحة الخلاف مع قطر. ورحبت بها الرئاسة المصرية تقديراً لخادم الحرمين، لكنه أيضاً ترحيب مشروط بما يقدم عليه القطريون من تغيير في نهجهم الإعلامي وتسليم المطلوبين أمنياً لأن الرئاسة تدرك مدى الحنق المصري في الشارع من الأداء الإعلامي القطري.
تحفل أجندة قادة الخليج بمواضيع في جلها ليست خليجية، فالحوثيون يتمددون في اليمن وتصلهم أسلحة ثقيلة من إيران، وسورية ممزقة بين الإرهاب من جهة والبراميل المتفجرة من الديكتاتور بشار الأسد من جهة أخرى، والإيرانيون يتركون المساحات الكبيرة شرق إيران وشمالها وجنوبها، ويضعون المفاعلات على الخليج العربي إلى جوار المنامة والدوحة والدمام والكويت، ثم يفاوضون الغرب على إدارة المنطقة في مقابل خفض التخصيب.
غير أن الآمال ليست كبيرة من هذه القمة التي تقام غداً وبعد غد. وكنت أتمنى دعوة مصر إلى حضورها من باب إبداء حسن النية من قطر، وأطمح إلى أن أرى تغيراً في السياسة الإعلامية لقناة «الجزيرة» تجاه مصر، وننتظر توافقاً خليجياً يدفع إلى إقناع روسيا والغرب بالعودة إلى صيغة «جنيف – 1»، وإيجاد حل سياسي للقضية السورية، لأن بقاءها بيئة للصراع لن يضرها وحدها، بل سيكون سبباً في تصدير المشاكل إلى العراق ولبنان والأردن، كما أن الصراع في ليبيا أصبح معطلاً التنمية ومزعجاً تونس ومصر والجزائر.
صحيفة الحياة
http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/6123175
الاثنين 8 ديسمبر 2014
اترك تعليقاً