جمعه الكارثة

هب المجلس الأعلى للقوات المسلحه في يوم العاشر من فبراير 2011 للإجتماع من دون رئيس المجلس والحاكم العسكري الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وإعلان البيان الأول وكذلك التنويه بأن المجلس سيضل في حالة إنعقاد دائم.
وفي اليوم التالي كانت كلمة عمرو سليمان معلنه تنحى الرئيس محمد حسني مبارك.
وقد كان إنعقاد المجلس دون رئيسه له دلالات عده تنم عن إدارك المجلس للخطر الذي يحيك بالبلد، وبالمؤسسه العسكرية التي تحكم من 1952، وأن حكم الجيش بصفه عامه أصبح في خطر.
وقد كان عناصر الجيش ومنذ نزوله لساحات التظاهر وعلى رأسها ميدان التحرير، حذرا أشد الحذر من أي إحتكاك مع المواطنين، وتوالت المشاهد التضامنيه بين الجيش والشعب، وخلال الفترة من تنحي الرئيس مبارك حتى الجمعة 8 أبريل، وفي أقل من شهرين يُحسب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة تعامله بحكمه وليونه عاليه مع المتطلبات المتتاليه والمختلفه، السياديه منها والفئويه.
كما يُحسب للمجلس العسكري العديد من الإنجازات على الأرض، على رأسها رعاية الإستفتاء الدستوري، وإعلان سقف زمني واضح للإنتخابات النيابيه في سبتمبر، ولإنتخابات الرئاسة قبل نهاية العام، والذي بقي منه سبعة أشهر وأيام.

كما كان الجيش لينا في فرضه لحظر التجوال من اليوم الأول إلى أن خففه قبل أسبوعين ليكون من الثانيه صباحا حتى الخامسه صباحا، ومتبعا سياسة ناعمة مع المظاهرات الفئوية التي منعها.
ما يجب أن يقر به الجميع وعلى رأسهم المصريين أنه وقبل ثلاثه أشهر من اليوم، لم يحلم أيا كان بمحاكمه من استدعوا للنيابه تباعا، وهذا إنجاز ضخم، بدأ بأحمد عز وحبيب العادلي، وصولا إلى زكريا عزمي، مرورا بإستدعاء الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه للنيابه في 11 أبريل،-أي بعد شهرين من تنحي والده-، ولن تقف التحقيقات عند ذلك،والتحفظ عليهم خمسة عشر يوما بعد ذلك.

ولكن ما يشكل الحاضر المصري حاليا أمرين، عدم مقدرة الشعب على تفهم أن ما حدث ثوره بلا رأس وليس إنقلاب،لأن من قام بالثورة ليس المعارضه ولا الجيش، ومن حاول ركوب الثورة أكثر من أن يٌحصروا، فليس هناك قيادة ثوره مثل 52 تاتي وتحكم وتحاكم من سبقوها، ولكن الأنتقال السلمي والثورة الناعمه هي نعمه للمصريين جميعا، فالأنظمه التي اتت من إنقلاب -كالضباط الأحرار في 52-، أو بمساعده خارجيه –كنظام ما بعد صدام في العراق-، هي أنظمة إنعدمت فيها العدالة في محاكمة النظام السابق، فأنقلبوا على ظلم ثم صاروا أظلم منه، ودائما ما كانوا يتجهون بعدها لتصفيه بعضهم بعضا.

الأمر الآخر الذي يشكل الحاضر المصري هو أن إلتئام شمل الجيش والشعب أمر لا يرضي الكثيرين من الأطراف الداخليه والخارجيه، وتسعى الثورة المضادة كما تسمى من مبارك أو من أذرع النظام السابق عموما.
لو درسنا الوضع الليبي في محاولة فهمنا لأهداف ورغبات أمريكا والنظام الغربي عموما، والتباطؤ في إستصدار قرار مجلس الأمن 1973 بشأن الحظر الجوي على ليبيا، حين كان القذافي يدك المدن الليبيه بالطائرات، نجد أن امريكا تريد دولا ضعيفه في المنطقه، حتى تكون أمريكا تملي شروطها وعقودها مع بقايا دوله بدل أن تتفاوض معها وهي دوله قويه تستطيع أن تستغني عن دعم أمريكا إقتصاديا.
وعليه فالغرب يريد للفوضى أن تستمر حتى يستمر هجر السياح للمحروسه، والإضرابات الفئوية حتى يتعطل الإنتاج، والبورصه التي أصبحت كالسلالم الكهربائيه قرب وقت إغلاق المجمعات تتجه للأسفل فقط، ولم يكن ممكنا للمصريين تعطيلها أكثر، حتى لا ينخفض تصنيف مصر إقتصاديا.

وعليه فإتفاق المصالح بين البلطجيه وأعداء مصر سيضل مستمر، وخصوصا أن بعض الشباب مثل أبودومه -الذي خرج في القاهره اليوم قبل ثلاث أيام- يفسرون ثورة على أنها وقاحه، ويجب أن لا تجعلنا الثورة لا نحترم الكبير، ولا نقدر بدلة الجيش، وسيكون الدفع مستمرا نحو جر الجيش للمواجهه،ولا ننسى أننا اليوم 13 أبريل بصدد تحدي أخر جديد تسعى من خلاله مصر للعودة للحياة، من خلال إعادة إنطلاق الدوري المصري، وهو إختبار كبير للأمن المصري.

ولأن حالة الوئام بين الجيش والشعب كما ذكرت لا تروق لأطراف سميناها، فقد حصل في الجمعة الماضيه أو لنقل فجر السبت 9 أبريل 2011، مصادمات بين قوات الشرطة العسكرية والمعتصمين بميدان التحرير أسفرت عن وقع قتيل و71 جريح، وفقاً لوزارة الصحة.
وفي مساء اليوم نفسه عقد المجلس العسكري مؤتمراً صحفياً مساء السبت أوضح فيه ملابسات ماجرى ليل جمعة المحاكمة والتطهير وفجر السبت –كما سميت-، وشدد على أن الحق في التظاهر السلمي مكفول دستورياً، وأن القوات المسلحة لم ولن تطلق طلقة واحدة باتجاه المتظاهرين.
ولم يصدر من المجلس تعليق بشأن المطالبه باستقالة المشير محمد حسين طنطاوي الذي يرأس المجلس الاعلى للقوات المسلحة، والفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحه المصريه

قامت القوى الوطنية بعمل مؤتمر صحفي للتعليق فيه على الاحداث التي جرت يوم الجمعة وحتى صباح السبت في ميدان التحرير وأكدت فيه أنه لا مساس بالقوات المسلحة ولا مساس بهيبتها.
وأنه لا يمكن بأي حال من الاحوال إحداث وقيعة بين الشعب والقوات المسلحة
التي تعد حاليا هي الاساس الوحيد والمؤسسة الوحيدة المتماسكة والمتحكمة في زمام الأمور في مصر.
كما استنكرت الأحداث حركات إسلاميه على رأسها الإخوان المسلمين أكثر المستفيدين من الثورة.

ملخص القول: ماحدث الجمعه الماضيه لا يصلح بأن يسمى إلا جمعة الكارثه، لسببين الأول أن التصادم بين الجيش والشعب سيؤدي إلى حريق البلد بأكملها، والسبب الثاني أن إستمرار الإضرابات والمظاهرات الفئوية وتعطيل الحياة، بل وإستمرار وضع محاكمة الفساد كأولويه سيؤدي بمعدلات الجريمة لمستويات عاليه، وبمصر لخطر مدقع.

يجب أن يعمل الناس، ويجب أن يكسب المواطنين الثقه في أنفسهم ووطنهم، قبل أن يكسبها السائح، يجب أن لا نغفل ملفات النظام السابق وأن يحاكم الجميع، ولكن يجب أن لا تنسى النخب أن الجوع ضرب أطناب المجتمع، يجب ان لا ننسى أن أكثر من ثمانيه ملايين مواطن يعملون في مختلف القطاعات السياحية.
من يعملون باليومية أو يعتمدون على الراتب، هم أكثر من نصف المجتمع.

يجب كذلك أن يتطور الفكر الثوري المصري، فالثورة إنتهت والحكمه يجب أن تأتي،كما اورد العلامه الشعراوي رحمه الله في شريك مسجل له، فكما ان جميع الحركات الليبرايه والإشتراكيه والخمسه المرشحين للرئاسه من عمرو موسى أو البرادعي والبقيه، بل وشباب الثوره جميعا قالوا لا للإستفتائات الدستوريه، والشعب والجماعات الإسلاميه قالوا نعم.
يجب أن يجتمع شباب الثورة ويجمعون ما هو مشترك بينهم، ويوحدون فكرهم وكلمتهم، بدلا من إنتشارهم في الفضائيات بكلام متناقض، أصبح يمثل أشخاصا لا جماعه.
يجب أن نقبل أن القضاء يأخذ مجراه والقضايا يفصل فيها بالأدله والبراهين، ومن خلف القضبان الآن أو سيستدعى قريبا، قد يخرج بريئا أو بسجن قصير المده، وبالقانون، وإذا ضل هذا الفكر فستخر حينها مظاهرات ضد القاضي وتستمر الدوامه.

دمتم ودامت أوطاننا بخير،،


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *