اقتحم الحوثيون العاصمة صنعاء في سهولة مريبة، ووقّعوا اتفاقية السلم والشراكة الوطنية مع الرئيس عبدربه هادي منصور، وقوى يمنية. يعد أبرزها الحراك الجنوبي، وامتنع عن التوقيع حزب الرشاد السلفي والتنظيم الناصري، بسبب امتناع الحوثيين عن التوقيع على الملحق الأمني التابع للاتفاقية.
مثّل دخول الحوثيون لصنعاء صدمة للكثيرين، من سهولة سقوط العاصمة، وسهولة انهيار الجيش اليمني، ولأن الخيانات قديمة في تاريخ العرب، فقد ذكرنا مشهد صنعاء بمشهد سقوط بغداد في ٢٠٠٣، حيث كانت سمعة الجيش العراقي بأنه من أقوى الجيوش في العالم، ولكن الصدمة الحقيقية هي التوقيع على الاتفاقية بعد ست ساعات من احتلال الحوثيين صنعاء، وهو ما يشير إلى أن أمراً ما حيك بليل. أول مواطن الريبة هو التوقيت، إذ دخل الحوثيون صنعاء، تزامناً مع الضربات الجوية التي تقوم بها أميركا وحلفاؤها العرب والأوروبيون لقصف التنظيم الإرهابي «داعش»، والتي استبعدت إيران من المشاركة في العمليات، وبالطبع إيران هي الراعي الرسمي لجماعة الحوثي، إذ حمل الحوثيون لافتات عليها صور خامنئي مرشد الثورة الإيرانية، إضافة إلى عبارات الموت لأميركا «الشيطان الأكبر»، ولكن ما يدعو للسخرية أن أول ما قاموا به في صنعاء هو حماية السفارات الغربية. وما يؤكد الريبة في نوايا الغرب يمنياً، هو الصمت المطبق عن أحداث صنعاء، وخروج تصريح يتيم بعد الأحداث بثلاثة أيام، قالت فيه الولايات المتحدة أنها تنوي تخفيف بعثتها الديبلوماسية في اليمن، استمرارا في سوء قراءة الوضع اليمني غربياً، والتي كانت جلية في دعم الفدرلة. الدافع الثالث للريبة، هو شخص جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة لليمن، الذي زار اليمن 50 مرة منذ تعيينه، وصرح قبل يومين من دخول الحوثي لصنعاء بأن لا أفق للحل بين الحوثيون والدولة اليمنية، ثم استطاع في ست ساعات عقب دخول الحوثي لصنعاء من صنع اتفاق كان مستحيلاً، وقد قبل الحوثيون بجمال بن عمر وسيطاً بينهم وبين الرئيس اليمني، بعد رفض الحوثيين لفريق الوساطة الذي أرسله الرئيس. إذنْ، الشواهد كثيرة إلى الخيانات والمؤامرة، وربما كان هناك الكثير من الأموال التي دُفعت، حتى ينهار كل شيء في عشية وضحاها، وهذا يشمل بالطبع الحكومة اليمنية، التي كان غريباً استقالة رئيس وزرائها، وطلب وزير داخليتها من عناصره ألا يتصدوا للحوثيين، وحتى الفرقة الأولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر، لم تخلُ بعض الأنباء إلى وجود خيانات داخلها، وإن كنتُ أميل إلى أن اللواء الأحمر حاول تجنيب اليمن مغبة الوقوع في حرب أهلية.
هذا ما حدث، أما عن المستقبل الذي يسعى لتشكيله الحوثيون اليوم، فيبدو أنهم مسكونون بالانتقام، الانتقام من أنصار ثورة ٢٠١١ ومن حزب التجمع اليمني للإصلاح تحديداً، ومن الجيش اليمني، الذي اغتال «حسين الحوثي» شقيق عبدالملك الحوثي في عام ٢٠٠٤، هذا الانتقام بدا جلياً، عبر اقتحام مقار الأحمر، والهجوم على جامعة الإيمان للانتقام من الشيخ الزنداني، ومهاجمة منازل الوزراء المؤيدين للثورة، إضافة إلى الاستيلاء على كميات كبيرة من السلاح والمعدات الضخمة.
لا يبدو أي طرف يمني مستفيداً من تقدم الحوثيين، سوى حزب المؤتمر الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بل يبدو أن هناك حلفاً غير معلن، يظهر من خلال تجنب الحوثيين أي مقار تابعة لحزب المؤتمر أو للرئيس صالح، على قاعدة «عدو عدوي صديقي»، ويبدو الشريكان الجديدان ساعيين في السيطرة على اليمن كاملاً تدريجياً، عبر استمرار العنف الحوثي، حتى بعد التوقيع على اتفاقية السلم، إذ يبدو أن الحوثيين متجهون للمغالبة والسيطرة على مفاصل الدولة والحكم، عبر واجهة الرئيس الضعيف، بل حتى المنابر الدينية وتغيير أئمة المساجد، وتبقى الحرب المؤجلة بينهم وبين الحراك الجنوبي، عبر تنصيب ياسين مكاوي أحد قيادات الحراك مستشاراً للرئيس.
صحيفة الحياة
http://www.alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/4908076
الاثنين أكتوبر 2014
اترك تعليقاً