التأسيس لخطاب عربي يجافي الحقائق الظاهرة قديم قدم فكرة القومية العربية، فصوت أحمد سعيد يصدح من المذياع مهللاً بفوز مصر على إسرائيل، وأن الطائرات المصرية ضربت تل أبيب في الرابع من حزيران، وأيقظ العرب ليجدوا أن من سقط لم تكن الطائرت المصرية فقط، بل وسقطت القدس وسيناء والجولان، ولحق بذلك تلاعب بالمسميات وتسمية الهزيمة بالنكسة.

 في 2003 لم يتغير أي شيء من هذا الخطاب، فقد كان محمد سعيد الصحاف يتلاعب بالمشاعر العربية الكارهة للمحتل الأميركي، وكانت الدبابات تقترب من بغداد أكثر، والحديث عن نصر كاذب يزداد، وفي آخر مؤتمر صحافي له في يوم سقوط بغداد، أعلن أن الأميركان يُنحَرون الآن بالآلاف على أسوار بغداد.

 ولأن هذا الخطاب لم يتغير في 2006 مع ما سماه حزب الله «النصر الإلهي»، ويتكرر اليوم من «حماس» بعد اتفاق الهدنة مع إسرائيل، وتسمية نتيجة المعركة التي استمرت 50 يوما وخلّفت 2138 قتيلاً بالنصر، فلا بد لنا من أن نحلل كيف يكون هذا نصراً؟! وكيف يكون الدم والدمار المقابل العادل لثلاثة أميال إضافية للصيد؟!

 المعركة الأخيرة في غزة لم يكن فيها منتصر، لكن كان فيها ضحية ورهينة، وهي القضية الفلسطينية، أما لماذا لا يعد نصراً بالنسبة إلى إسرائيل فذلك يأتي أولاً لأنها لم تنجح في تحقيق هدفها الذي أعلنته، وهو نزع سلاح المقاومة، وفشلت فشلاً ذريعاً في تسويق قضيتها عالمياً، مقارنة بكل معاركها السابقة، وعسكرياً أثبت جيشها أنه قوي في مقارعة الجيوش، ولكنه لا يستطيع حسم معركة على شكل حرب عصابات، ووجدت صعوبات في اجتياح غزة برياً.

 أما لماذا لم تنتصر «حماس»، فلأنها كذلك لم تحقق أهدافها التي أعلنتها، فالاتفاق الجديد بالنقاط التي اتفق عليها من توسيع نطاق الصيد البحري أو فتح المعبر مع إسرائيل، مرتبط بتوقف المقاومة وعدم إيذاء إسرائيل، هذا يمتد أيضاً لجميع النقاط المرجأة للمفاوضات بعد شهر من توقيع الهدنة، بل حتى معبر رفح الذي ضغط الحمساويون في طلبه لم يفلحوا، وعندما تكون جملة الاتفاق مبنية على اتفاق 2012، إذنْ هو دم من أجل العودة للماضي.

 حركة المقاومة الفلسطينية حماس مع رحيل القادة الأنقياء أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، طوت بالفعل صفحة المقاومة الفلسطينية، لتصبح فصيلاً سياسياً رهيناً لأجندة إيران وسورية، فقد أصابها تحول يشبه ما حصل في سورية بعد رحيل حافظ الأسد، حيث تحولت من حليفة لإيران إلى تابعة لها.

 ولأن مصلحة الفصيل غُلبت على مصلحة القضية الوطنية، وهذة سمة الحركيين ولا سيما من جماعة الإخوان المسلمون، فقد كانت -كما نذكر في 2008- تقاتل السلفيين الموجودين في مسجد ابن تيمية، وتهد المسجد على رؤوسهم حتى لا يطلقوا صواريخ على إسرائيل، بعد أن وقّعت «حماس» هدنة مع إسرائيل آنذاك، وذلك حتى تكون محتكرة لقرار الحرب والسلم، وألا تكون المقاومة خياراً وطنياً.

 الخطاب الإعلامي الذي يروج للوهم، يريد أن يصنع من السماح بإعادة إعمار غزة انتصاراً، أي إعادة إعمار ما تسبب به خطف ثلاثة مستوطنين في الخليل وقتلهم، والذين كانت تنكر «حماس» مسؤوليتها عن تلك العملية التي سببت رمضانَ أسود لشعب غزة تحت القصف، واستثارة لعدو أحمق لديه شغف بالدماء، قبل أن يعلن صالح العاروري المسؤول في «حماس»، قيام كتائب عز الدين القسام بخطفهم.

 ولأن الهدنة عُدَّت انتصاراً، فالهزيمة كل الهزيمة ألا يكون من شروط «حماس» لتوقيع الهدنة، أي بند يخص القدس، ولا يمنح الفلسطينيين حق العودة، ناهيك عن مقاومة لم تحرر شبراً من الأرض عسكرياً، ولم تفاوض سياسياً وإن عبر السلطة الفلسطينية لتكون دولة على حدود 67.

صحيفة الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/4393992

الاثنين 1 سبتمبر 2014


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *