حرب «تشارلي ويلسون» فيلم مأخوذ عن كتاب بالاسم نفسه للكاتب «جورج كريلي»، والذي حقق أعلي المبيعات في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٣، ويستند إلى وقائع حقيقية وقعت خلال فترة الحرب الباردة في السبعينات من القرن الماضي، إذ يتناول الجهود التي بذلها عضو الكونغرس الأميركي «تشارلي ويلسون» لإقناع أعضاء الكونغرس بتمويل مجاهدي أفغانستان، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والأسلحة وتدريبهم علي أيدي رجال المخابرات المركزية الأميركية CIA بقيادة جاست أفوركوتس.
ويكشف الفيلم عن جهود ويلسون التي دعمت المجاهدين الأفغان ضد الجيش الأحمر الروسي، واجتياحه لدولتهم والذين أطلق عليهم «مجاهدو الحرية» في بدايات الثمانينات والتي أسهمت في انهيار الاتحاد السوفياتي على رغم انقلاب المجاهدين فيما بعد علي الولايات المتحدة، إذ شكلوا تنظيم «القاعدة» الذي حملته الولايات المتحدة مسؤولية هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) وما تلاها من عمليات إرهابية في كثير من دول العالم، ما دفع جورج بوش الابن لمهاجمة أفغانستان وإسقاط تنظيم «القاعدة» وحكم حركة طالبان.
كما يبرز الفيلم عمليات السمسرة التي قامت بها المخابرات المركزية الأميركية لشراء الأسلحة الروسية للمجاهدين، عبر وسيط ثالث هو إسرائيل وتورط باكستان أيضاً، وذلك حتى لا تبدو مسؤولة بشكل مباشر عن تسليح المجاهدين الأفغان والعرب الأفغان، في حال سقوط الأسلحة في يد الجيش السوفياتي.
قام الأميركان بشيء مشابه في سورية عبر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ففي سورية لم تسمح أميركا للجيش الحر بالحصول على أسلحة نوعية وأهمها مضادات الطائرات، حتى يبقى الوضع على ما هو عليه من شبه اتزان، لأن وقت إسقاط الأسد لم يحن بعد.
تنظيم «داعش» قدم خدمة كبيرة للولايات المتحدة عن قصد أو حماقة، عبر تشويه المعارضة السورية، وبالتالي الترويج لذريعة أوباما في امتناعه عن التدخل، عبر القلق من سقوط الأسلحة في يد تنظيمات إرهابية، وهي التنظيمات التي تخطف الراهبات وتنحر الأقليات، وهذه الخدمة كانت مهمة لأميركا خصوصاً بعد التخاذل عن ضرب بشار الأسد، بعد استخدامه للكيماوي في مجزرة الغوطتين الشرقية والغربية، وانتشار الصور التي هزت العالم. كان الاحتقان الذي تسببت به سياسات المالكي فرصة مناسبة لتحول «داعش» شرقاً نحو المناطق السنية في العراق، وليتماهى مع مسماه «دولة العراق والشام»، ولم يتدخل أوباما منذ بداية تحرك «داعش» عراقياً، حتى لا يكون تحرك أوباما دعماً للمالكي.
أوباما والذي كان يُفاخر بالتخلص من أسامة بن لادن بعملية إنزال بسيطة، والتخلص من قاعديي اليمن بضربات من طائرات، من دون حاجة إلى هدر دماء أميركية، كان يفاخر أيضاً بسحب الجنود الأميركان من العراق، ولكنه عاد بعد سرعة سيطرة «داعش» على الموصل ونينوى، إلى إرسال خبراء عسكريين ليعملوا مع الجيش العراقي في بغداد، هدفها بالأساس منع «داعش» من دخول بغداد لا القضاء على «داعش».
الدعم الاستخباري الذي قدمته أميركا للجيش العراقي، جعل «داعش» يتوجه نحو المناطق الكردية ويقترب من إسقاط أربيل، عاصمة الأكراد حلفاء أميركا في الشمال، ما جعل أوباما يتدخل للمرة الأولى عسكرياً لمنع التقدم الداعشي داخل المناطق الكردية، وكأن «داعش» مسموح له باحتلال العرب السنة فقط.
الأميركان احتاجوا إلى حوالى عقدين لإدراك أن دعم المجاهدين لقتال السوفيات بالنيابة سيعود عليهم، ولكن مع عصر السرعة لم يحتاجوا إلا إلى ثلاثة أعوام ليعود السماح بوجود «داعش» في سورية على مصالحهم ونحر مواطنيهم، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فحتى الربيع العربي والمظاهرات ضد تصرفات الأمن، قامت مظاهرات تشابهها في ميزوري، ومن شماتة القدر أن تطالب إيران ومصر الحكومة الأميركية بضبط النفس، وكأن قدر الأميركان أن يعود السحر دوماً على الساحر.
صحيفة الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Toriri/4287994/
الأثنين 25 أغسطس 2014
اترك تعليقاً